عندما يسخر الكرد

TT

جلال طالباني هو رئيس الجمهورية الوحيد في الشرق الأوسط الذي يتمتع الآن بروح فكاهة وسخرية. بل ربما نجد أنه الزعيم السياسي الوحيد في العالم الذي يتميز بمثل هذه الصفة. طالما ذكرت كما ذكر الكثير من كتاب الفكاهة أن روح الفكاهة والسخرية من علائم السماحة والحضارة وتدل بصورة خاصة على الثقة بالنفس. فيما كان الأكراد يشعرون بحساسية وامتعاض من التنكيت عليهم في عهود اضطهادهم أخذوا الآن يستمتعون حقا بالتنكيت على أنفسهم وسماع النكات العنصرية ضدهم، بل وراحوا يساهمون فيها بأنفسهم كما يفعل الإنجليز تماما عندما يروون النكات عن أمتهم وملكتهم ورئيس حكومتهم.

أطل الرئيس العراقي قبل أيام على شاشة التلفزيون وراح يروي ما شاء من النكات التي تعلقت به، بل وكان هو موضوعا لها. لقد فهمت من الإخوان المتصلين به أنه كثيرا ما عمد لمثل هذه الفكاهيات والمداعبات في حياته وأعماله اليومية. زاره وزير الكهرباء ليطمئنه على مستقبل تجهيزات القوة الكهربائية في العراق، فقال إنه لم يعد هناك ما نخشاه من عمليات التخريب الإرهابية. سيصبح تجهيز القوة مضمونا. سأله الرئيس: كيف ستحقق هذا المطلب الذي يحلم به الجمهور؟ أجاب: سندفن أسلاك الكهرباء تحت الأرض. علق طالباني فورا على ذلك فقال: آه. المساكين العصافير! أين سيوكرون؟!

أرجو ألا يكون الإرهابيون قد سمعوا بذلك ليرسلوا أعوانهم في عمليات انتحارية ضد معشر العصافير ويقلعوا أعينها ويمزقوا مناقيرها وينتفوا ريشها وعلى مرأى من الدبابات الأمريكية التي تعمل في إطار ماكو أوامر!

بعد أيام قليلة ذهب مام جلال في زيارة خاصة إلى بيت عبد العزيز الحكيم. رأى غرفة الاستقبال محشورة بتصاوير الأئمة والمشايخ فلم يتمالك غير أن يسأله عنها. لمن تكون هذه التصاوير ومن هم أصحابها؟ أجابه الشيخ قائلا أنها تصاوير أهل البيت. استغرب من هذا الجواب فعاد وسأله، «يا الله! كل هذا وأنت ساكن مستأجر في بيت الناس؟».

ما يعرف بالنكتة الكردية تقوم كما تقوم النكتة الدليمية، وفي مصر النكتة الصعيدية، وفي بريطانيا النكتة الارلندية، على افتراض السذاجة والجهل وقلة العقل في بطل النكتة ـ إذا جاز لنا أن نطلق عليه صفة البطولة ـ وقيامه بكل شيء بالمعكوس. فالنكتة السابقة مثلا تقوم على جهل المتكلم باللغة العربية والتاريخ الإسلامي ومركز آل البيت، وهو طبعا وكما نعرف جيدا لا ينطبق على الرئيس العراقي. وهنا رووا أن مام جلال شاء أن يعبر عن حبه للحيوان وعطفه عليه بامتلاك كلب مدلل ظريف. راح يغدق عليه محبته وعنايته بترويضه ومصاحبته بنفسه عصر كل يوم. لاحظ القوم أنه لم يكن هذا الكلب مربوطا بأي سلسلة أو مقادا. فسألوه كيف تقتاده وتسيطر عليه من دون قياد؟ فأجابهم قائلا: أقوده بجره من ذيله!