أوباما يمسك بزمام الأمور

TT

لقد أثار الأداء الرائع لحملة أوباما الانتخابية الأولية التي كان من المفترض أن تكون قد انتهت الآن، إعجاب الكثيرين. وعلى الرغم مما قاله جيرميه رايت، فإن مشكلته لا تتعلق بكونه شديد السواد، ولكن بكونه شديد السذاجة. لقد جعلت هيلاري كلينتون من قلة خبرة أوباما الجبهة الرئيسية لهجومها عليه، وإذا فشلت في كسب تأييد حزبها، فإن جون ماكين سوف يلتقط ما تركته هي. ومن حسن حظ أوباما، أنه ليس عليه الاستشهاد بسيرته الذاتية في القانون، ليثبت قدرته على إدارة شؤون الحكومة، ولكنه يستطيع الاعتماد على شيء أكثر أهمية: الطريقة التي يدير بها حملته الانتخابية.

فالرؤساء يميلون إلى الحكم بالطريقة التي يديرون بها حملاتهم الانتخابية. وقد قاد جيمي كارتر حملته الانتخابية كراهب يتسم بالأخلاق عام 1976، وقد حكم بالطريقة نفسها، ورفض الوصول إلى حل وسط مع مؤسسة واشنطن التي لم يكن يثق فيها (ولم تكن تثق فيه). وقد بدت حملة رونالد ريغان قاسية على الورق ولكن دافئة ومثيرة على التلفزيون، وكذلك كان الحال مع فترة رئاسته. وفي عام 1992 كانت حملة كلينتون مشابهة لإدارته: ذكية ومشوشة، وتميل إلى تجارب تشرف بها على التهلكة. وكانت حملة بوش الانتخابية عام 2000 نذيرا بفترة رئاسته: منظمة، وهيكلية، وتتمتع بالولاء والقسوة.

ومن بين المرشحين الثلاثة في سباق عام 2008، قاد أوباما أفضل حملة انتخابية حتى الآن، فقد بدا ماكين ثقيلا، وبطيء الحركة، ويبعثر الأموال في كل مكان حتى أوشك سيناتور أريزونا على الإفلاس. وتميزت حملة هيلاري كلينتون بالكثير من القتال الشرس، وضعف التنظيم، كما ظهر أداؤها الضعيف في الانتخابات حتى الآن.

وعلى النقيض من ذلك، كان أوباما معجزة تنظيمية، تنطلق بسرعة الصاروخ. فمنذ البداية، وضح أن حملة أوباما قد وضعت دوائر حول منافسيها على الإنترنت، مستخدمة في ذلك مواقع مثل ماي سبيس وفيس بوك، وغير ذلك من الأدوات التي مكنتها من تشكيل جيش افتراضي، وأكثر من مليون متبرع. وتمثلت النتيجة في تفوق مذهل على منافسيه في جمع المال (لقد جمع أوباما خلال الشهر الماضي نحو 40 مليون دولار، بينما جمعت هيلاري كلينتون 20 مليون دولار).

وأبرز سمات هذه الحملة، أنها تتمتع بالهيكلية التامة. وليس هناك من شك في أن المسؤول هو: ديفيد أكسلرود، وهو ملاكم من شيكاغو، عرفه أوباما منذ أن كان في الـ30 من عمره. ويعتقد أكسلرود ومعاونوه أن أوباما يمثل نوعا جديدا من السياسة، ولكنهم لا يتورعون عن استخدام التكتيكات القاسية القديمة ـ حتى أمام مؤيديه ـ لمساعدته على النجاح. وفي الربيع الماضي، على سبيل المثال، عندما أدركت حملة أوباما أنها لن تستطيع التحكم في صفحة أوباما الشهيرة على ماي سبيس، قامت بإقناع الشركة بإغلاق الصفحة.

فهذه الحملة المنظمة (وليس سيرته الذاتية في القانون) التي تضم عناصر شتى، هي التي يمكن أن تقنع الناخبين بأن أوباما يستطيع أن يدير الحكم. وسوف يحتاج كرئيس إلى أن يبقي على مؤيديه في حالة نشاط: وسوف يحتاج الأمر إلى حركة شعبية، لإرغام الكونغرس على الموافقة على قانون الرعاية الصحية العالمي، ولكنه سوف يحتاج أيضا إلى أن يكون قاسيا مع هؤلاء المؤيدين أنفسهم، حتى لا يتورط في هذا النوع من المعارك الجانبية، مثل قضية الشواذ في الجيش الأميركي التي أضعفت شعبية بيل كلينتون في وقت سابق. وفي الوقت الذي تعمل فيه خبرة أوباما على حشد الدعم له على موقع ماي سبيس، فإن تهدئة هذا الدعم سوف تكون هي ما يحتاجه عندما يكون في المكتب البيضاوي.

ويكمن الخطر في أن يسقط أوباما في الخطأ نفسه الذي وقع فيه كل من وودرو ويلسون وجيمي كارتر: الاعتداد بالرأي. فالانتخابات تعني أن الفائز يفوز بكل شيء، لكن الحكم ليس كذلك. فالمرشحون يمكن أن ينددوا بواشنطن، لكن الرؤساء يجب أن يعيشوا هناك. فإذا كان الدرس الذي يستخلصه أوباما من حملته الرائعة أنه ومؤيديه على صواب وأن معارضيه على خطأ، فسوف يجد أنه من الصعب عليه التعاون معهم. فالرؤساء الناجحون يعرفون كيف يجعلون الفوز بنصف الرغيف، يبدو فوزا كبيرا، أما الرؤساء الذين يعتقدون أنهم على صواب دائم، فإنهم لا يعرفون كيف يفعلون ذلك بطريقة جيدة. لكن إن استطاع أوباما أن يكون مثاليا بدون أن يتظاهر بأنه رجل أخلاق، وإن استطاع أن يحافظ على معنويات مؤيديه عالية، وأن يحافظ دائما على تلبية توقعاتهم، وإن استطاع أن يمزج بين حماسهم ونظامهم، فربما يستطيع أن يدير الحكم بطريقة رائعة. ولن يكون الأمر سهلا، ولكن من ناحية أخرى، فإن أيا منهما لا يبدو أنه يسابق على الرئاسة. سلوا فقط هيلاري كلينتون وجون ماكين.

* زميل أول في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»