ذكرى الحرب

TT

لم تكن مفاجأة كبيرة أن تأتي التقارير السنوية للمؤسسات الدولية، وتشير الى ان اداء الاقتصاد اللبناني كان افضلَ من المتوقع عام 2007. فرغم الأزمة السياسية المستمرة، أثبت المجتمع اللبناني خارج دائرة السياسة والقوى ذات المصالح أنه قادر على التكيف والعيش بطبيعية، حتى لو لم يكن هناك رئيس للبلاد كما هو الآن.

ومرت على لبنان منذ اغتيال رئيس الوزراء الراحل، رفيق الحريري، سلسلة عواصف وأزمات؛ منها قائمة الاغتيالات التي استهدفت فريق الأكثرية لتقليص اغلبيته بالقنابل، ثم الحرب التي جُرَّتْ اليها البلادُ بين حزب الله واسرائيل بدون هدف لبناني واضح، الى مشكلة تنظيم «فتح الاسلام» في الشمال والقتال الضاري الذي جرى هناك لتنظيف المنطقة من هذه العناصر المتطرفة. وأخيراً الشلل السياسي بسبب عدم القدرة على انتخاب رئيس جمهورية جديد مع التصادم الحاصل بين الاكثرية النيابية التي تملك مقاعدَ أكبرَ سياسياً، لكنها اضعف من الاقلية المدعومة بالسلاح والميليشيات وبالجيران.

رغم كل هذا، تبدو الحياة اليومية تسير بشكل شبه طبيعي وموافق لأمور المعيشة، وكأن هناك قوة مقاومة طبيعية اكتسبها المجتمع ضد الانهيار في مواجهة مخاطر تعدد التركيبة السياسية والمجتمعية كلها.

ولا بد ان لبنان الذي يتذكر هذه الايام الذكرى الثلاثين للحرب الاهلية التي عصفت به في السبعينات والثمانينات وحصدت عشرات الآلاف من الضحايا، سقطوا في قتال ميليشيات متصارعة تمولها قوى اقليمية تغير تحالفاتها حسب الظروف، انه اكتسب مناعة من السقوط في هذا الفخ من جديد، وان يكون الناس قد تعلموا شيئاً من تجربة الماضي. وبين ظروف وخريطة القوى التي قادت الى حرب السبعينات والثمانينات وظروف الأزمة الحالية في العقد الاول من القرن الـ21 أوجه تشابه وأوجه تباين كبيرة.

التشابه هو في دور القوى الخارجية التي تجعل من لبنان ساحة لصراعاتها، وقبول قوى داخلية ان تكون اداة لها تحت شعارات آيديولوجية مختلفة، والتشابه ايضاً هو في الانقسام وعدم القدرة على التوصل الى وفاق وطني عام على خطوط حمراء فيما يتعلق بمصلحة البلاد يجب عدم تجاوزها.

أما التباين الاهم فهو العامل المحلي في الصراع والغالب حالياً، بمعنى انه لم تعد هناك تنظيمات فلسطينية مسلحة تمارس دوراً مؤثراً في السياسة المحلية. كما ان طبيعة التحالفات والانقسامات الداخلية اخذت شكلا مختلفا، وإن كان العامل الطائفي لا يزال يلعب دوره حتى لو كان الغطاء الآيديولوجي ينفي ذلك.

التباين الثاني هو ان القوى الاقليمية التي تجعل من لبنان ساحة لصراعاتها مع قوى دولية تمارس سياسة حافية الهاوية. ولكن ليست هناك ارادة كما يبدو حتى الآن لخوض معركة مفتوحة بالسلاح مثل ايام الحرب الاهلية السالفة: كما انه يبدو او على الاقل المؤمل ان الاطراف «صاحبة الميليشيات والسلاح» التي تلعب دور «الوكيل المحلي» تدرك ان الانهيار سيضرها هي ايضا أمام جمهورها. كما سيضر خصومها. ولذلك، فان قواعد اللعبة هي التجميد وشد الأعصاب في انتظار ان تغمضَ عين الطرف الآخر، او ان يحل الطرف الخارجي مشكلته.

عامل آخر يصب في مصلحة لبنان هو ان الغالبية العربية لا ترغب في رؤية بؤرة اشتعال جديدة في المنطقة، وتسعى الى استقرار لبنان. أما العامل الأهم، فهو الاجيال الشابة الجديدة التي نشأت بفكر مختلف وفي عالم آخر، ورأت ما يمكن ان يجلبه الاستقرار من ازدهار ومشروعات ووظائف.

هذه كلها عوامل أمان تدعو للاطمئنان، لكن هذه المنطقة تبدو في بعض الاحيان كالرمال المتحركة، واستمرار الازمة السياسية بهذا الشكل والفراغ الرئاسي له اخطاره الشديدة، وحله سهل لو كان المعيار المشترك هو مصلحة البلاد.