الصدر الغامض

TT

لا نعلم أحدا أكثر غموضا من زعيم التيار الصدري، السيد مقتدى. حتى هذا اليوم لا ندري بشكل أكيد ما هو هذا التيار، ولا من يديره، وما هي قضاياه الحقيقية، بعيدا عن الشعارات المرفوعة.

لا ندري إن كانت ايران هي التي تدعمه أم أنها التي تحرض عليه، وان كانت هي التي استضافته، أم انها التي أبعدته. لا نعرف كيف نفسر مناصرته المبكرة للجماعات السنية المتطرفة، ثم انقضاضه على السنة في بغداد في عمليات قتل وتهجير مروعة. ايضا، حيرنا في علاقته بالمرجعية الرئيسية إن كان معها او ينافسها. كما بدل مواقفه بالدخول والخروج من الحكومة. كما عجزنا عن فهم هيكليته، وآلية عمله، وتمويله، وحقيقة سيطرة قيادته عليه. ولا ندري كيف يعلن الصدر وقف مظاهر التسلح في معركة البصرة ثم بعد ايام قليلة من إعلانه تزداد الاشتباكات، التي وقعت بعنف ودموية في بغداد ومات فيها المئات.

فهل هذا الغموض صمم عن عمد أم انها فوضى ضاربة بأطنابها في التيار الشبابي المتحمس؟

يبدو الصدريون مجموعة حركات تحت عنوان واحد، وخليطا من القيادات ذات المواقف المختلفة، ولا تخضع دائما لأوامر قائدها السيد الصدر، الذي سبق ان اشتكى علانية من عدم انصياع بعضهم لتعليماته واعتبرهم خارجين عليه وهو بريء منهم.

رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لم يكتف بشحن الشعب العراقي ضد الصدريين، الذين وصفهم بأنهم أخطر من تنظيم القاعدة، بل كان واثقا من شعبية القرار حيث قاد شخصيا المعارك ضد ميلشيات جيش المهدي الصدرية في البصرة. فكانت اكبر المعارك في الجنوب حتى الآن، منذ سقوط نظام صدام. ومع ان المالكي كسب تأييد فئات كبيرة من العراقيين، خاصة بعد ان طالب الصدر بحل ميلشياته ونزع سلاحها، إلا ان الصدر تحداه بطرح أكثر شعبية، حيث أعلن انه مستعد لنزع سلاح جماعته شرط ان ينزع المالكي السلاح من كل الميلشيات العراقية الاخرى، وكان يعني بذلك قوات بدر. وهو طرحٌ يزداد شعبية في داخل العراق في ظل الخوف المستمر، كما انه لا يعقل ان تكون هناك دولة ترضى بوجود ميلشيات مسلحة خارج قواتها الرسمية، وان وجود فريق مسلح يبرر دائما تسلح غيره، وليس كل الضحايا في معارك مباشرة. فمدير مكتب الصدر وصهره، رياض النوري، اغتيل في عملية مدبرة استهدفته وهو عائد في سيارته بعد صلاة الجمعة.

الغموض الصدري سيد الموقف حتى الآن، لانه لم يسلم أسلحته ولم يوقع على اتفاق هدنة، ولم يشن بعد معركة معاكسة، وحالة الترقب تثير التساؤل حيث لن يكون بوسع أحد ان يتنبأ ماذا بعد.