كيف تموت وأنت تضحك؟

TT

أمر المأمون بقتل إبراهيم المهدي، ولكنه أراد أن يستشير رجاله قبل تنفيذ الحكم، فوافقوا جميعاً، ما عدا أحمد بن أبي خالد، الذي قال للمأمون: «يا أمير المؤمنين، إن عاقبت فلك في ذلك نظراء، وإن صفحت فلا نظير لك»، فاستحسن المأمون كلامه، وعفا عن إبراهيم المهدي.

وكذلك صدر أمر إلى أحد العبيد في (لويزيانا) بأمريكا عام 1750، ليشغل وظيفة جلاد، فقطع يده اليمنى، وقدمها إلى السلطات المختصة، ليثبت عجزه عن القيام بهذه المهمة.

وكذلك كان رئيس إحدى المحاكم في تركيا يكسر قلمه كلما وقع على حكم إعدام.

ولو أنني كلفت يوماً لكي أكون جلاداً لقطعت يدي الاثنتين وليس واحدة.

كما أنني لو كنت رئيس محكمة لما حملت قلماً طوال حياتي ـ رغم اعترافي بأن في القصاص حياة لأولي الألباب.

والذي دعاني اليوم لاستعراض هذه المواقف التي ذكرتها هو ما قرأته عن تنفيذ حكم الإعدام برجل يدعى (فليب جودوين) في كاليفورنيا عام 1927، وكان القانون وقت ذاك يعطي الحق للمحكوم عليه أن يطلب أمنيته الأخيرة ليحققوها له قبل يوم واحد من إعدامه.

وقد طلب مستر جودوين، إحياء سهرة غنائية راقصة وصاخبة يدعو فيها 15 شخصاً حسب اختياره ومزاجه، وفعلا اختار أحد المغنين مع اثنين من العازفين الذين يعرفهم، وستة من أصدقائه المقربين، وست فتيات جميلات بارعات بالرقص، وأن يؤمنوا له كذلك كل ما لذ وطاب من الأكل والمشروبات.

وفعلا ابتدأت السهرة من مغيب الشمس إلى مشرقها مرة أخرى ـ والحمد لله إنني لم أكن معهم ـ وضج السجن كله من قرع الطبول وصخب الجاز وعزف الغيتار وغناء المطرب ودبك الراقصات وضحكات الأصحاب، الذين لم يتركوا دقيقة واحدة تمر من دون أن يستغلوها بالشرب ونفخ السجائر.

وكان جودوين هو واسطة العقد في الحلبة، وشطب هو شخصياً على عشرات القوارير من جميع الأصناف، ولم يحرم أو يبخل على قلبه من أي صنف كان.

وفي منتصف السهرة، وبعد أن حليت واشتعلت، طلب أن يشاركهم فرحتهم الأخيرة تلك الجلاّد الذي سوف يتولى شنقه في صباح الغد، وفعلا حضر الجلاد، وشاركهم الشرب حتى الثمالة، بل انه طيّنها أكثر منهم.

وعندما أعلنت الساعة السابعة أغلقت الميكرفونات، وأشعلت الأضواء، وأخرجوا الأصحاب والمغنين والراقصات، واقتادوا (جودوين) وهو يترنح ويضحك، وسط تصفيق وهتاف المساجين من خلف الزنازين.

ويقال إنهم عندما لفوا على عنقه حبل المشنقة طبع قبلة على الحبل من فرط سعادته، كما أن الجلاد (الثمل) نفسه قد عانقه عناقاً حاراً قبل أن يسحب الخشبة من تحت قدميه.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، قيل إن أحد حراس السجن قال لأحد المساجين في إحدى البلاد العربية: إن زوجتك وحماتك حضرتا لزيارتك وهما في غرفة الاستقبال، فأجابه السجين القرفان: أرجوك قل لهما إنني أعدمت في هذا الصباح.

لا أقول: إن هذا السجين يعجبني، لا أبداً، ولكنه بصراحة يناسبني.

[email protected]