عوداَ على بدء: 13 نيسان..

TT

ثمانية عشر عاماً انقضت على انتهاء الحرب اللبنانية (1975 ـ 1990)..

لم يسبق أن شعر اللبنانيون بثقل ذكرى يوم 13 أبريل (نيسان) من عام 1975، الذي أرخ رسمياً لانطلاقة الحرب اللبنانية كما عاشوها هذه الأيام. فالأزمة المتفاقمة منذ ثلاث سنوات، وما تخللها من صدامات أهلية ومذهبية لبنانية، فاقمت من الشعور بأن استعادة صورة بوسطة عين الرمانة الشهيرة والصور الكثيرة لفظائع الحرب تجاوزت حدود الميل نحو استذكار الماضي ليصبح هذا الماضي هاجساً يخاف الجميع أن يصبح حقيقة. وهنا تتبدد التطمينات التي يطلقها بعض السياسيين أو اللبنانيين عموماً، بأن لا عودة للاقتتال الداخلي كونها ليست ضامناً فعلياً للسلم الهش الذي يضبط الوضع اللبناني.

استعيدت الذكرى هذا العام بكثير من الاهتمام من قِبل الإعلام اللبناني والعربي، الذي أفرد تغطية خاصة على أكثر من مستوى ومن قِبل الكثير من الجمعيات المدنية والهيئات الثقافية التي حاولت أن تجري قراءة مختلفة وأكثر عمقاً لما جرى خلال الحرب اللبنانية، وهو أمر لم يسبق أن توقف اللبنانيون عنده على هذا النحو.

ليس لبنان البلد الوحيد الذي خاض تجربة الحرب الأهلية في العالم وبعض تلك الدول أنجزت مراجعات فعلية لما جرى ارتكابه، أشهرها تجربة جنوب أفريقيا. والمراجعات هذه التي تتضمن اعترافات ونقاشات علنية لما جرى في الحرب يلعب الإعلام فيها دوراً أساسياً، بل هو أحد أهم منابرها. هذا عدا عن الندوات والجلسات المغلقة ولقاءات المصالحة والاعتذار التي تتم بعيداً عن الإعلام.

محاولة المراجعة هذه أخذت أشكالا عدة. فإلى جانب النقاشات والمقابلات مع شخصيات خاضت الحرب وعاشت انقساماتها، برز ميل نحو مقاربة ملامح الاقتتال اللبناني من زوايا ثقافية وأرشيفية مثل تجميع الملصقات السياسية للحرب وتحقيبها من خلال الشعارات التي رفعتها المجموعات والأحزاب اللبنانية، هذا عدا عن مقاربات فنية عبر أشرطة فيديو وكتابات ومذكرات تروي تجارب حية لعبثية الحرب..

في لبنان تأخرت المراجعة كثيراً، ففي عام 1990، فرضت الصيغة السياسية التي أنهت الحرب انتقالا سريعاً وبتراً لسنوات الحرب فانغمس اللبنانيون في حال دون أن يتسنى لهم فهم ما حلّ بهم ولماذا.

اليوم، ضاعفت المخاوف من انجرار اللبنانيين نحو حرب ثانية من الميل للمباشرة بعملية مراجعة فعلية للحرب التي أهلكت البلاد خمسة عشر عاماً من دون أن ننسى أن هذه المراجعة أو محاولة المراجعة اللبنانية تحتاجها دول عربية أخرى مثل العراق وفلسطين التي هي أيضاً تعيش انقساما وأزمات قد تدفع بها إلى المثال اللبناني.

وحتى لا نبالغ، فالميول نحو مراجعة ما جرى خلال الحرب اللبنانية هي في بداياتها، والإعلام الذي يحمل مسؤولية لعب دور محفز وحاضن لهذه المراجعات وليس ابتذالها بصفتها سبقاً صحافياً, تقع على عاتقه مسؤولية أن تكون المراجعات هادفة إلى تحصين لبنان ودول أخرى من احتمال تكرار التجربة.

diana@ asharqalawsat.com