العراق: هدنة وراء هدنة

TT

لم تتمكن الولايات المتحدة من الحد من بعض الاعتقادات الخاطئة في العراق، ومنها الاعتقاد بأن السلام سيسود عندما تجتمع النخبة السياسية وتتفق على عدد من التسويات، تشمل الشراكة في السلطة ووضع دستور جديد.

ومع أن إدارة بوش تحاول منذ سنين إقناع العراقيين بهذه المساومات، فما تم تحقيقه قليل. ولهذا يقول الديمقراطيون إنه لن يكون هناك تقدم سياسي في العراق، لأن التقدم السياسي الوحيد الذي يقتنعون به هو هذا النوع من التسويات.

قد يكون هذا النموذج مناسبا في دولة غربية تعيش في ظل وثيقة «ماغنا كارتا» عن الحريات الإنسانية؛ لكن العراق ليس هذه الدولة. فكما قال فيليب كارل سالزمان في كتابه «الثقافة والصراع في الشرق الأوسط»: الكثير من المجتمعات الشرقية هي مجتمعات قبلية، ولهذا لا يقدم القادة القوميون تضحيات كبيرة لصالح الوطن، لأن ولاءهم يكون أكثر للطائفة أو القبيلة التي ينتمون إليها. ولا يمكن أن يتحقق النظام عن طريق فرض القانون، ولكن عن طريق توازن مائع لاتفاقيات القوة بين المجموعات المحلية.

ومن ثم يأخذ التقدم السياسي في مثل هذا المجتمع أشكالا مختلفة؛ فلا يمكن فرضه من أعلى، بل يجب أن ينبع من القاعدة. هذا بالضبط هو التقدم الذي نشهده في العراق. فبينما يحاول السياسيون الذين يجلسون في المنطقة الخضراء الاستفادة من الزيادة في القوات بتوسيع نفوذهم، توجد متغيرات في القاعدة، حيث يزداد التفاؤل في أوساط العراقيين.

أضف إلى هذا، أن العراقيين قد سئموا الحرب ويعاقبون القادة والقوى التي تقف وراءها. يقول يحيى سعيد من معهد «ريفينيو واتش» في شهادة مكتوبة للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: «هناك عامل حيوي في التحسن الأمني وهو التراجع العام مقارنة بالفوضى والتطرف التي سادت خلال الخمس سنوات الماضية». وكما هو متوقع فإن القبائل المحلية قد استولت على السلطة. ولهذا قال كولين كال، الأستاذ في جامعة جورج تاون ومستشار أوباما: أصبحت السياسة في العراق في نطاق محدود للغاية. فالمجموعات التي تتمتع بهيبة أكبر في العراق هي القبائل ومجالس الصحوة.

خلقت هذه المجموعات عددا من الاتفاقيات الهشة لوقف القتال. ومع أنهم يتشاجرون على المال والسلطة وبعض القضايا الأيديولوجية والطائفية، فإن لديهم حافزا للحفاظ على السلام. فالقادة السنة يدركون أنهم لن ينتصروا في حرب أهلية ضد الشيعة، ويعترف قادة الميليشيات الشيعية بأنهم يخسرون هيبتهم وسلطتهم كلما استمر القتال.

ومع هذا، يقول ستيفن بيدل، من مركز العلاقات الخارجية، في شهادته لمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي: «لا يعني هذا أن هناك انسجاما طائفيا أو ودا أخويا في العراق».

قد لا تكون الزيادة في عدد القوات الأميركية هي السبب في اتفاقيات وقف القتال، ولكن هذه الاتفاقيات ما كان لها أن تتم بدون زيادة القوات. يدفع الأميركيون مرتبات لأكثر من 70.000 عضو في المجالس المحلية. وهم يعتمدون على الجيش الأميركي لتطبيق الاتفاقيات ومنع خرق الهدنة. وبفضل هذه الترتيبات، انخفض العنف العرقي الطائفي بنسبة 90 في المائة من يونيو (حزيران) 2007 حتى مارس (آذار) 2008.

من الشائع الاستهانة بهذه الاتفاقيات التي لم يسطرها مشرعون في مستندات؛ وفي واقع الأمر هناك فرصة لانهيار هذه الاتفاقيات وسقوط البلاد في فوضى.

* خدمة «نيويورك تايمز»