الإرهاب والمخدرات.. وفي اللذة يكمن السر!

TT

كيف نفسر قيام شاب يافع بوضع أحزمة ناسفة حول جسده، قاصدا مبنى سكنيا في الرياض لقتل أبرياء؟ وكيف نستطيع ان نفهم قرار شاب في ان يترك زوجته وأطفاله ويغادر بلده باحثا عن زفة الموت، فيتجه الى العراق او الشيشان رغم ممانعة والديه؟ وهل من تفسير لسلوك شخص عاد لبلاده بعد أدائه فريضة الحج ، فنحر طفلته الصغيرة من الوريد الى الوريد بسكين حادة هامسا في أذنها بأنها ذاهبة الى الجنة؟

قد لا نملك الإجابة القاطعة على هكذا تساؤلات، ولكن ربما نجد في طيات الواقع شيئا من إجابات قد تبدو تراجيدية، حيث تكشفت علاقة السلوك الإرهابي بتعاطي المخدرات، وهو مشهد اقرب إلى رسم ملامح جيل، نتحمل نحن النصيب الأكبر من المسؤولية في إنقاذه والنهوض به، وإلا أصبحنا من النادمين.

فاستنادا إلى دراسات وتقارير، اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن ثمة علاقة بين المنظمات الإرهابية ومنظمات الاتجار غير المشروع بالمخدرات، حيث توفر الأولى الحماية للأخيرة مقابل توفير سيولة نقدية لها من اجل قيامها بأعمالها الإرهابية، وحسب تقديرات الأمم المتحدة ان تجارة المخدرات تتجاوز 400 مليون دولار سنويا وان 10% من هذا المبلغ تذهب للمنظمات الإرهابية، ومسألة التعاون بين هذه المنظمات في هذا السياق يمكن تصورها لا سيما فيما يتعلق بالتمويل، وتقاطع المصالح، ولعل علاقة طالبان بالقاعدة في الماضي، أحد الأدلة الدامغة على هكذا تقارب. غير ان المثير فعلا ما اتضح لاحقا من أن معظم الإرهابيين كانوا متعاطين للمخدرات، وهنا تكمن الدهشة، فالمعلومات التي أوردها وزير الداخلية السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز حول خطورة المخدرات في بلده تستدعي منا التوقف عندها، حيث أكد أن بلاده مستهدفة واصفا المخدرات بأنها أخطر من أية حرب أو كارثة، وأنه توجد علاقة طردية بين المخدرات والإرهاب، لافتا إلى أن أكثر دولة تهرب لها المخدرات هي السعودية، إلا أن إشارته لتعاطي من قبض منهم للمخدرات تكشف إلى أي مدى وصلت إليه هذه الجماعات من حالة التردي الخلقي والاضطراب الفكري والتناقض الفاضح مع ما يطرحونه من شعارات. وكان قد سبقه وزير الداخلية الجزائري مؤكدا ان معظم منفذي العمليات الأخيرة كانوا يتعاطون المخدرات.

ولعل في التصريحات الفائتة إجابة لفهم دموية هذه السلوكيات التي لا تؤمن إلا بجز الرقاب والتفخيخ والتفجير لكل من يقف أمام توجهاتها الراديكالية، فالسلوك ما هو إلا انعكاس للحالة الفكرية لهذا الإنسان او ذاك. وان اعتناق أفكار لا توافق واقع الحال، تؤدي بالضرورة إلى حدوث حالة الشيزوفرينيا (الانفصام)، وبالتالي الاصطدام مع المجتمع على هيئة سلوك ما. وفي محاولة لتشريح هذه الحالة، أرى أن القاسم المشترك بين كل تلك السلوكيات وغيرها هو مفهوم: اللذة، وفي اللذة يكمن السر. هذا الشعور يعني في ما يعني لصاحبه، الخلاص من المعاناة التي تجتاحه سواء كانت فكرية أم نفسية أم اجتماعية أم غرائزية (شهوانية). وبغض النظر عن حجم نتائجها، فما يهمنا هنا هو فهم المراد لحدوث ذلك السلوك!

كلها سلوكيات شاذة ومرفوضة، لكن الإجابة في تقديري تكمن في اختطاف العقل، وعندما يُختطف، فان النتيجة تتمثل في سلوك يتعارض مع الشرائع السماوية والنواميس الطبيعية.

على أن العقل ـ في طبيعته ـ عادة ما يعمد الى ترشيد السلوك وفلترة النزعات الانفعالية، ان جاز التعبير، غير أن ما يحدث مع تلك النماذج هو هيمنة (اللذة بمفهومها الشامل) على قدرة العقل، وبالتالي السيطرة عليه وقيادته، بدعوى انه بالإمكان الان التخلص من هذا الشعور الوسواسي، فيتبلور الإحساس على هيئة سلوك، قد يكون عنفيا ودمويا او حتى مرضيا.

بيد ان هذا لا يعني اننا ـ كبشر ـ لا نعاني من تلك الحالة، بل نعيشها اغلب الأحيان وبمستويات نسبية، ولكن الفارق بين الحالتين يكمن في ان معظمنا ينجح في عدم الوصول الى تلك المرحلة المتأخرة، حيث لا عودة، فتدارك الشخص في القيام بالسلوك الشاذ قبل لحظات من عزمه على ارتكابه، يعود لتفوق العقل في تلك اللحظة، ومسكه الزمام. في حين ان تعاطي المخدرات يشل قدرة العقل، وبالتالي يدفع الإرهابي لتنفيذ مخططه بدون الشعور بوخز الضمير.

رُب قائل يرى ان الانتحاري يختلف عن غيره، فهو مقتنع بما يقوم به، ويخطط له منذ فترة، ويقوم به عن قناعة، لا سيما ان طموحه أزلي ورغبته في دخول الجنة، او هكذا يعتقد.

على ان ما قيل آنفا فيه الكثير من الصحة، إلا ان الحقيقة الماثلة تجد ان لا فارق بين القرار اللحظي الانفعالي وغير الانفعالي، طالما أنهما خرجا من رحم العقل المسيطر عليه بالحالة المذكورة (الخلاص من المعاناة)، ولذلك يمكن القول ان الانتحاريين هم أكثر الناس عرضة للاختطاف العقلي ـ ان جاز التعبيرـ فالايديولوجيا اياً كانت، هي الأقوى من حيث الهيمنة والسيطرة على العقل، فالمؤدلج يجد من الصعوبة بمكان الانفكاك من إسار ايديولوجيته اياً كانت طبيعتها وتوجهاتها، فكيف هي الحال إذن، إن كان هو متعاطيا للمخدرات؟!

وإذا ما خالطت الايديولوجيا المتطرفة عوامل أخرى كالإحباط، والفقر والبطالة والكبت والتهميش، فإنها كلها تساهم بامتياز في تكريسها، ولذا فالحالة تتشكل ويكون المراد هو الخلاص من المعاناة وبالتالي الشعور باللذة لينتهي الإرهابي بتلك الصورة المأساوية. علينا ان نفعل كل ما بوسعنا لكي لا يصل شبابنا لمرحلة اللاعودة، وذلك بوسائل شتى تحقق في النهاية هيمنة العقل على الفعل. وهذا ليس تنظيرا بقدر ما ان المقام هنا كان بهدف إبراز ظاهرة بدأت تطفو على السطح وباتت تهدد مستقبلنا واستقرارنا، ولا بد من معالجتها لنحمي الدين والوطن والإنسان.

www: zuhair-alharthi.8m.com