خيار مشرف بين الديمقراطية والديكتاتورية

TT

لقد وضع برويز مشرف عنوانا للفصل السادس عشر من كتابه «على خط النار» أسماه «باكستان الأولى». وقد شرح فكرته بطرح سؤال رائع: «هل سبق أن أُلقيت في نهاية قاع بركة السباحة؟ إن الناس يقولون إن تلك هي أفضل الطرق لكي تتعلم السباحة، لأنك إذا لم تفعل فسوف تغرق. وهذا تماما ما شعرت به عندما وصلت إلى بيت الجيش في روالبندي في صباح يوم 13 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1999. لقد ألقى بي في القاع ..» (ص 143)

وبعد اغتيال بوتو والانتخابات البرلمانية، طرح سؤال في غاية الأهمية: ما هو موقف مشرف؟ هل يسبح في أعماق بركة السباحة الباكستانية؟ وما ثمرة هذه السباحة لباكستان؟ لقد قيل الكثير عن الديمقراطية في باكستان وربما تكون القصة طويلة. وعندما قال أيوب خان: «إن الديمقراطية البرلمانية لا تناسب نبوغ شعبنا». كانت البداية لباكستان الجديدة، التي يلعب فيها الجيش دورا مهما للغاية. فعلى سبيل المثال، شرح مشرف رأيه حول الديمقراطية بقوله: «إنني أؤمن تماما أنه لا يمكن لبلد أن يتقدم من دون الديمقراطية، ولكن يجب أن تناسب الديمقراطية ظروف كل أمة. وعندئذ فقط يمكن أن تعمل ممارسة الديمقراطية على تقوية الشعوب وإرساء حكومات تلبي حاجاتها. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فالأمر لا يعدو مجرد واجهة لا روح لها ولا جوهر لها».

وليس هناك فارق بين رأي كل من أيوب خان ورأي مشرف. فكلاهما يعتقد أن عليهما مسؤولية إدراك حجم ونوع الديمقراطية في باكستان. وكلاهما يعتقد أنه المقياس الرئيس للديمقراطية. وهذه ليست فكرة مبتكرة، فكل الطغاة على مدار التاريخ يدينون بهذا المعتقد ذاته. إنهم يعتقدون أنهم الوحيدون القادرون على إنقاذ بلادهم. ويعتقدون أن عليهم مسؤولية مقدسة للتضحية بأنفسهم من أجل بلادهم العظيمة. وقد نُظّمت كل الانقلابات بناء على هذه الفكرة. وعندما نقرأ بعناية رأي مشرف فيما يتعلق بالديمقراطية، فإننا ندرك أنه عند دفاعه عن الديمقراطية، يصمم على نقطتين أساسيتين: الأولى، أنه يصر على استخدام كلمة «لكن»، والثانية، أنه يصر على استخدام كلمة «يجب». ومن رؤيتنا للتاريخ، نرى أن الديمقراطية قد ذبحت مرارا وتكرارا بحد هاتين الشفرتين.

إن باكستان تواجه ثلاث أزمات رئيسة (أ) طالبان (ب) القاعدة (ج) التمرد المتنامي في الداخل. وفي 17 من مارس (آذار) 2008، وقعت بعض الأحداث في إسلام آباد و«سوات»، وهو اليوم الذي قام فيه مجلس النواب بأداء القسم. وقد بدا المسرح معدا للمكاشفة بين مشرف وخصومه الذين اكتسحوا الانتخابات العامة في 18 فبراير (شباط) الماضي.

وهناك الآن مواجهة بين الديمقراطية ومشرف الذي قاد انقلابا أطاح حكومة نواز شريف. فعندما شعر أنه يسبح في العمق البعيد لبركة السباحة، رجع شريف إلى المشهد السياسي عن طريق أصوات الشعب الباكستاني. وقد فاز حزبه (الجماعة الإسلامية) الذي تحالف مع حزب الشعب بالمركز الثاني. ويحاول الحزبان تشكيل تحالف يستطيع إزاحة مشرف عن السلطة.

ويبدو أن مشرف في وضع يجب عليه أن يختار فيه بين الديمقراطية والديكتاتورية، وبين باكستان أو الفوضى. فماذا سيختار؟ لقد ترك بدلته العسكرية؛ وهو الآن جنرال سابق! ويعني ذلك أنه لم يعد رئيس أركان الجيش الباكستاني.

ومن ناحية أخرى، فإن حزب الشعب والجماعة الإسلامية قد أقسما اليمين بموجب الدستور الديمقراطي القديم، وليس النسخة المعدلة التي جاءت بعد فرض مشرف لحالة الطوارئ في نوفمبر (تشرين الثاني).

ولا يعدو الصراع بين مشرف والبرلمان الجديد سوى جانب من القصة. والجانب الآخر والأكثر أهمية، يتعلق بالصراع الحاد بين باكستان الدولة والأمة من ناحية، وطالبان و«القاعدة» والتمرد من ناحية أخرى. وكما أوضحت سابقا، ففي 17 من مارس (آذار) الماضي قتل عدد من ضباط الشرطة الباكستانية في «سوات» بعد تفجير انتحاري. وبالإضافة إلى ذلك، كان هناك تفجير انتحاري آخر في إسلام آباد، يوم السبت 15 من الشهر نفسه. وكان هو الأول في العاصمة الباكستانية الهادئة خلال عدة أشهر والأول الذي يستهدف أجانب خلال أكثر من عام. وقد قتلت امرأة تركية وأصيب 11 آخرون بما في ذلك 5 مواطنين أميركيين بالإضافة إلى العاملين في مكتب المباحث الفيدرالي.

أعتقد أن هناك سيناريوهين في باكستان. ويعتمد الأمر على مشرف وعاصف زرداري ونواز شريف، ليفكروا في باكستان بدلا من أنفسهم. وهم جميعا يزعمون أنهم يعتقدون أن باكستان تأتي أولا! ولكن الأمر لا يتعلق بالكلمات فقط، ولكنه يتعلق بالإيمان العميق بهذه الكلمات. وليس مشرف وحده هو الذي يسبح في العمق البعيد لبركة السباحة، فهناك كذلك حزب الشعب والجماعة الإسلامية.

وقد أرسلت الانتخابات رسالة واضحة جدا للرئيس مشرف، تقول: يكفي ما حدث! يكفي عقد كامل من الدكتاتورية! الرجاء ترك بدلتك الأولى كسياسي. الرجاء اختيار مصالح باكستان بدلا من رغباتك الخاصة.

ولا يبدو أن هناك مساحة للصراع بين مشرف والبرلمان الجديد. وهناك قصة بليغة بلغة الأردو، تقول: «حدث ذات مرة، أن قرويا كان يحمل حقائبه على حماره. وفي الطريق، أوقفه رجل شرطة وضرب الحقائب. وسأله رجل الشرطة: أهلا.. ماذا تحمل؟ فأجاب: إذا ضربته مرة أخرى، فلن يكون شيئاً!».

لقد كان القروي يحمل آنية زجاجية.