جرائم الفضاء المعلوماتي .. والحاجة لتشريعات جديدة

TT

مع التطور السريع والمذهل في وسائل التكنولوجيا والاتصال الحديثة وتطبيقاتها المتزايدة وبخاصة «شبكة الإنترنت»، والهاتف الجوال، ظهر في الفضاء المعلوماتي مصطلحاً جديدأ هو «الجرائم الإلكترونية»electronic crimes، ويؤكد الخبراء أن هذه الجرائم في تزايد مستمر بشكل كبير، متحدية الأجهزة الأمنية والقانونية، وبخاصة مع افتقار الكثير من الدول لقوانين خاصة لمواجهة جرائم الفضاء المعلوماتي وقصور التشريعات الحالية سواء دولياً أو محلياً، فمازال مشرعي القوانين على مستوى العالم عاجزين عن إصدار تشريعات تحظر الجرائم الإلكترونية، كما لا توجد اتفاقيات دولية أو نصوص في الدستور الخاص لكل دولة تجرم وتعاقب مرتكبي هذه الجرائم، خاصة أن أدلة اثبات الجرائم الإلكترونية يصعب التوصل اليها.

ويستخدم مصطلح الفضاء المعلوماتي Cyberspace «السيبري» لوصف البيئة الإفتراضية للإنترنت ووسائل الإتصال الرقمية الحديثة الأخرى التي يتزايد استخدامها في حياتنا اليومية، وهو مصطلح وضعه لأول مرة كاتب الخيال العلمي الأميركي الشهير «وليام جيبسون»William Gibson الملقب «بأبو حركة السيبربانك»Father of Cyberpunk وذلك في روايته الشهيرة «نيورومانسر» Neuromancer عام 1984.

فمن الملاحظ أن التقدم الهائل في قطاع تقنيات الاتصال الحديثة، قد صاحبه أيضا زيادة في الجرائم الإلكترونية، فعمليات الغش المصرفي التي تتم على الإنترنت نتيجة سرقة الهويات والمعلومات الشخصية للأفراد عندما يقومون بإرسالها عبر الإنترنت، الأمر الذي يهدد بتقليل حجم التعاملات من خلال التجارة الإلكترونية، وبخاصة مع اتجاه أغلب الدول الآن لاستخدام البطاقات الإلكترونية الذكية سواء في بطاقات الهوية أو المبادلات الاقتصادية، مما يتسبب في خسائر فادحة لاقتصاد هذه الدول، كما أن هناك مخاوف من التهديدات التي تتعرض لها الهواتف الجوالة، وبخاصة مع الخدمات الجديدة التي تقدمها مثل إتاحة القيام بالأعمال المصرفية، ومنها التعرف على الحساب البنكي ودفع الفواتير وتحويل الأموال وغيرها من الخدمات الجديدة الواعدة، وأيضاً جرائم كاميرا الهواتف الجوالة، كما أن هناك مخاوف من بطاقات الإئتمان المزودة بتقنية التعريف اللاسلكية (RFID) Radio Frequency dentification والتي تستخدم حاليا وتؤدي لسرعة وسهولة العديد من الأعمال والخدمات، حيث تتيح للأفراد تمريرها عبر أجهزة القراءة من دون إدخالها، اذ هناك مخاوف من أن هذه البطاقات ستقوم ببث اسم ورقم بطاقة إئتمان الفرد وتاريخ انتهائها الى أي شخص آخر يقترب منه حاملا جهاز مسح الكتروني.

هذا بالإضافة الى التهديدات السلبية الثقافية والاجتماعية والنفسية التي يسببها الفضاء المعلوماتي، والتي تؤثر على سلوكيات وقيم وأفكار الأفراد، وبخاصة عند دخول الأبناء في غياب الآباء الى مواقع محظورة عليهم على شبكة الإنترنت.

في تقرير مهم صدر في أوائل شهر اكتوبر من العام الماضي عن «مركز الأمن المعلوماتي» التابع لمعهد جورجيا التقني في الولايات المتحدةThe Georgia Tech Information Security Center(GTISC)، ورد فيه أن من بين التهديدات المتزايدة التي تهدد الفضاء المعلوماتي لهذا العام: تهديدات الشبكات الاجتماعيةsocial networking مثل «ماي سبيس» Myspace، «فيسبوك» Facebook، نظرا لقدرتها على جذب الكثير من المستخدمين غير المجهزين بتقنيات أمنية، وتهديدات تستهدف الرسائل الإلكترونية، وبخاصة رسائل البريد الإلكتروني والرسائل الفوريةInstant Messaging (IM)، وتهديدات لأجهزة الكومبيوتر والتحكم فيها واستخدامها كآلات مطيعة، وتهديدات تستهدف أجهزة الهاتف الجوال، وبخاصة المتصلة بالإنترنت، وتهديدات تستهدف البطاقات المزودة بتقنية التعريف بالهوية بالموجات الراديوية (RFID)، والتي يتزايد استخدامها حالياً، والتي تتيح لأجهزة المسح الإلكتروني قراءة الإشارات الراديوية الصادرة منها من مسافات متفاوتة، وتحمل هذه الإشارات المعلومات المخزنة في الشريحة الكومبيوترية المزروعة في البطاقات.

وخلاصة القول، لقد أصبح هناك ضرورة عاجلة لتحديد مصطلح وأنواع وعقوبة الجرائم الإلكترونية ووضع تشريعات وقوانين جديدة تحكم التعامل مع وسائل التكنولوجيا والاتصال الحديثة، وبخاصة «شبكة الإنترنت»، مع ضرورة التعاون الدولي في مكافحة الجريمة المعلوماتية، وضرورة التنسيق بين الجهات الأمنية والشركات التي توفر خدمات الإنترنت وشركات الخدمات المصرفية والمالية، وأيضا ضرورة وضع تشريعات خاصة لحماية أجهزة الكومبيوتر والبرامج المعلوماتية الإلكترونية، والأهم من ذلك نشر ثقافة الوعي المعلوماتي والأمن السيبري بين الجمهور وبخاصة الأبناء، وتعليمهم كيفية التعامل السليم والآمن مع شبكة الإنترنت والهاتف الجوال وغيرهما من الأجهزة الرقمية الحديثة، لحمايتهم من الوقوع فريسة سهلة لمحترفي الجرائم الإلكترونية، وارشادهم بالإجراءات القانونية السريعة المتبعة في حالة وقوعهم ضحايا لهذه الجرائم، فالملاحظ أن أغلب مستخدمي الإنترنت لا يدركون أنهم وقعوا ضحايا لجرائم إلكترونية، وذلك من خلال إنشاء مراكز علمية متخصصة في تعليم الأمن المعلوماتي ونشر المعرفة بالأخطار الجديدة التي تهدد الفضاء المعلوماتي، وأيضاً التوسع في اعداد مواد وبرامج اعلامية متميزة لتوعية الجمهور بكيفية حماية أنفسهم من أخطار الفضاء المعلوماتي المتزايدة، هذا بالإضافة لدور الأسرة المهم في رقابة وحماية الأبناء من الجرائم الناجمة عن الاستخدامات السلبية لشبكة الإنترنت.

*كاتبة وباحثة مصرية

في الشؤون العلمية