طائر الفلامنغو

TT

قال يبث لي لواعج عشقه مستشهداً بأبيات من الشعر وكأنه (مجنون ليلى) زمانه، وكأنني أنا الطبيب المداوي لقلوبهم ولحل مشاكلهم، وما عرف أنني أنفر منهم جميعاً وبيني وبينهم ما صنعه الحداد بالأمس، وما يصنعه اليوم، وما سوف يصنعه غداً.

حدثني وقد اغرورقت عيناه بما يشبه الدمع:

إذا قامت لمشيتها تثنتّ / كأن عظامها من خيزران.

قلت له: أكيد هذه (معاقة).

لم يعجبه كلامي، فرد عليّ ببيت شعر آخر وكأنه يؤكد كلامي:

لو مكنت لمشت نحوي على قدم / تكاد من لينها في المشي تنفطر.

قلت له: إذن هي على الأقل مصابة بداء (النقرس).

فأخذ (يتلوّى) وهو جالس بمكانه، وقال وكأنه يريد أن يخرسني:

هيفاء إن قال الشباب لها انهضي / قالت روادفها اقعدي وتمهلي

ـ لا أريد أن أقول إنها حسب وصفك الأخير هذا، لا تعدو في نظري إلاّ أن تكون (ترلاّ) مبنشرة، ولكنني متأكد أن معشوقتك العزيزة تلك لا يمكن أن يقبلوها بالمسابقات (الرياضية الأولمبية) ولا حتى عاملة نظافة.

رميت له كلماتي الأخيرة هذه وخرجت غير آسف عليه، فيما أخذت زفراته تتعالى وهو يردد أبياتا تعيسة أخرى من الشعر لم أسمعها جيداً حتى احفظها.

ولا اذكر أن هناك إنسانا شكا لي وبكى لي من علته هذه إلاّ وقلت له: تستاهل.

والحمد لله أن ربي عتقني وحصنني وحماني من هذه (الترهات)، وجعلني حراً طليقاً كطائر (الفلامنغو).

* * *

أحد أقربائي لديه ابن عمره خمسة أعوام، وهو متعلق (بالموترسايكلات) إلى درجة انه كلما شاهد واحدة منها في أي معرض أو شاهد أحدا في الشارع يركبها، يصرخ من شدّة الفرح ويقول لوالده: إنني إذا كبرت سوف أشتري واحدة مثلها، وبما أن والده كان يخاف عليه جداً، فكثيراً ما قرّعه وأحبط أمنيته تلك قائلاً له: انك لن تحصل عليها ما دمتُ على قيد الحياة.

وفي أحد الأيام كنت واقفاً معه ومع والده على الرصيف أمام منزلهما، وإذا برجل يقود (موترسايكل) يمر أمامنا مسرعاً، فما كان من الطفل إلاّ أن صرخ وقفز مصفقاً، ورفع رأسه نحوي قائلاً ببراءة ـ بما معناه ـ: إنني يا عمي سوف امتلك واحداً مثل هذا، حالما يموت بابا إن شاء الله.

* * *

هل صحيح أن الصديق الحقيقي هو من يسمع الأغنية في قلبي وينشدها عندما تخونني الذاكرة ؟!

ـ نعم، صحيح.... أحياناً.

[email protected]