القوة النووية

TT

كان الصحافي رشدي المعلوف يقول: «إذا تشاجر حامل مسدس وصاحب قنبلة نووية فالغلبة للأول لأنه قادر على إطلاق النار، الثاني لا». السلاح النووي حالة عبثية ورعب عالمي لا معنى له. وفي معظم الحالات سوف يقضي على صاحبه أولا. تخيل أن الهند أطلقت قنبلة نووية على باكستان، أو العكس. إن الإشعاع النووي المدمِّر لن يميز في هذه المساحة المتقاربة بين الهنود والباكستانيين.

القوة النووية الأكثر عبثية في العالم هي القوة النووية الإسرائيلية لأنها قوة انتحار أكثر مما هي قوة دمار. ولكن قوة إسرائيل هي التي تسبب انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط، أو تبرره. وسوف أعود مرة أخرى إلى كتاب الأستاذ عبد اللطيف الفيلالي «المغرب والعالم العربي» الذي ينقل مطالعة الحسن الثاني في هذا الشأن، ولعلها الأكثر بلاغة واقتضابا.

ذات يوم يبلغ الملك وزير خارجيته الفيلالي أن شمعون بيريز، رئيس وزراء إسرائيل، قادم غدا إلى إيفران للقائه «وبالنسبة إليَّ لم أكن مقتنعاً بجدوى اللقاء، لأن بيريز رجل شديد الغموض لا يفصح أبدا عن حقيقة نواياه ولم أقدره أبدا». كان اللقاء مع الملك متوتراً. لكنه اقترح عليه جلسة عمل إضافية ليسأله: «ماذا تنوي إسرائيل أن تفعل بسلاحها النووي» وقال بيريز إنه لا يستطيع الإجابة على السؤال.

عندها قال الحسن الثاني: «ليست هذه المرة الأولى التي نلتقي فيها. في الماضي كنا نتبادل الأحاديث بصراحة لكنك اليوم تبدو متحفظاً، وفي أي حال أريد أن أعرض عليك وجهة نظري. إنكم تصرفون الكثير من الأموال بلا جدوى لأن هذا السلاح الذري لا جدوى منه على الإطلاق. فإذا فجرتم قنبلة ذرية في حال وقوع حرب أخرى، سوف ترتد المضاعفات الكارثية على إسرائيل فورا، وسوف تكون مصر، التي وقعتم معها معاهدة سلام، الضحية الأولى. إنكم قد تدمرون دمشق التي أصبحت منذ احتلال الجولان على بعد 60 كيلومترا من مواقعكم. وقد تدمرون بغداد أيضاً، ولكن بما أنكم محاطون بالعالم العربي فإنكم لا تسيطرون على الأجواء أو على الهواء. إن آثار الإشعاع سوف تضرب إسرائيل في اللحظة نفسها وتتحول إسرائيل إلى ضحية مثلها مثل الدول العربية. أعتقد أن من واجبي أن أطرح عليك هذه المسألة قبل أن أتركك لأنني رجل سلام».

يقول الفيلالي إن الحسن الثاني كان شديد الانزعاج. وبدا واضحاً أن بيريز لم يأت لإحراز أي تقدم في شأن القرارين 242 و338 ولم يتغير شيء من العناد حول القضية الفلسطينية. لقد أرادها زيارة دعائية وأخذ يتمشى علنا في شوارع ايفران. وغضب الملك. واستدعى كبير معاونيه الأمنيين وطلب منه إعداد طائرة بيريز الخاصة للسفر فورا. وطلب من الفيلالي أن يبلغ أمين الجامعة العربية استقالته من اللجنة الخاصة التي يرأسها.