ليست كلها «ماما وبابا»

TT

قديما كان العرب في الحواضر، يتركون أبناءهم يتربون في البوادي ليعرفوا شظف العيش ليخرجوا أقوياء، وقد فعلت ذلك شعوب أخرى.

وفي العصور الحديثة وجدنا الكثير من الأسر المالكة والرؤساء، بل ومن استطاع إلى ذلك سبيلا، يجبرون أبناءهم بعد أن ينهوا دراستهم للالتحاق بأي سلك عسكري نظامي أو تدريبي لمدة عام على الأقل أو أكثر، لتصقل تلك التجربة عودهم، وتوسع مداركهم، وتعطيهم الفهم الحقيقي للحياة التي ليست كلها راحة وسعادة وتلبية مطالب، وليست هي كلها (ماما وبابا).

والذي دعاني اليوم لكتابة هذا الكلام والخوض في هذا الموضوع ما قرأته عن الأمير البريطاني (هاري) الذي ذهب ليلتحق بالقوة العسكرية البريطانية في أفغانستان كأي ضابط صغير، واستمر على ذلك لمدة ثمانية أسابيع لولا أن كشفت ذلك السر بعض الصحف البريطانية، فاضطرت الحكومة لإعادته لأسباب أمنية، وعندما نزل من الطائرة التي أقلته مع مجموعة من المقاتلين قال: لا أعتقد أنني بطل على الإطلاق، الأبطال الحقيقيون هم الجرحى الموجودون في الطائرة، إن شجاعتهم تجبرنا على التواضع.

وقبل هنري، التحق والده الأمير تشارلز في سلاح البحرية وخدم في عرض البحر لمدّة عامين، كما أن عمه أندرو اشترك في حرب الفوكلاند وقاد طائرة هليكوبتر.

وقبلهم جميعاً جدتهم الملكة الحالية (اليزابيث).

فعندما كانت ولية عهد صغيرة ـ أي في أوائل العشرينات من عمرها، مثل حفيدها هاري الآن ـ التحقت تلك الأميرة النشيطة بإحدى فرق المجندات، وبعد أن أبلت بلاء حسنا بالدراسة والتدريبات منحت رتبة ملازم، وبرعت كذلك بهندسة الآليات، وقيادة الشاحنات على وجه الخصوص، وكثيراً ما شاهدوا يديها وملابسها وخدودها ملوثة بالزيت والشحم من جراء تفكيك وشد المحركات.

وفي يوم التخرج سمح لأفراد فرقتها بالعودة من معسكراتهن إلى لندن وهن يقدن السيارات، وكانت اليزابيث من أوائل الواصلين، وقبل أن تذهب هي رأساً إلى قصر بكنغهام، اتجهت إلى ميدان البيكادللي ودارت فيه دورتين وسط الزحام وهي تضحك.

وقد عاقبوها على فعلتها تلك بالسجن الانفرادي لمدة يوم واحد، وذلك بفعل السرعة أولا، وبعدم التزامها لخط السير المقرر ثانياً، واعترفت بذنبها واعتذرت مبررة فعلها ذاك أنه بسبب شدة الفرحة بالتخرج.

ومع ذلك لم تحرم نفسها من هواياتها المفضلة، مثل انكبابها المتواصل بقراءة التاريخ، والاهتمام بمعرفة العادات والتقاليد عند شعوب العالم، وتعزف على البيانو، وتغني غناء عذباً، وتحسن السباحة وركوب الخيل التي كثيراً ما كانت تذهب للصيد وهي تمتطيها.

وفي بعض نهايات الأسبوع وبعد تعب المعسكرات، تكافئ نفسها بالذهاب إلى بعض الحفلات الراقصة الخاصة، تصحبها وصيفتها الوحيدة، ولا تعود أحياناً قبل الثالثة صباحاً.

هذا طبعاً قبل أن يخطبها ويتزوجها الأمير فيليب.

[email protected]