بوس «الواو!»

TT

العماد ميشال عون شخصية مثيرة للجدل بامتياز. وهو عسكري عاشق لنفسه ولديه قناعة مطلقة بأنه الوحيد الذي يصلح لمنصب رئيس الجمهورية في لبنان. ومواقفه المتقلبة تشكل حالة ممكن أن تدرس في كليات العلوم السياسية بالعالم، خصوصا أنه يقدم أغرب حالة «قبل» و«بعد» في التاريخ السياسي القريب، حتى بات الحديث عن عون قبل عودته إلى لبنان وعون بعد عودته، أشبه بالحديث عن شخصية مختلفة تماما. ويزهو ويفتخر العماد عون بموقفه الحالي، ويروج أنه صوت لبنان الحر وأنه ضمير المسيحيين فيه، وقد يكون هذا حقيقيا في حياته «السابقة» وقبل عودته واتخاذه للمواقف الجدلية التي عرف بها مؤخرا، ويؤكد ذلك أن حزب الله هو الذي كان السبب الرئيسي في إنجاح ميشال عون في آخر انتخابات كما هو معروف لأنه كان غير قادر على تأمين الجماهيرية الكافية في الأوساط الانتخابية المسيحية لضمان فوزه في الانتخابات.

واليوم يكرس العماد عون نظرة متشددة بإصرار غريب على ربط مسألتين شديدتي الحساسية بعضهما بالبعض، فهو يصر على أن دعم وتأييد انتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان في منصب رئيس الجمهورية مرتبط بإصلاحات دستورية أساسية، وصلاحيات متغيرة في هيكلة رئاسة الوزراء كمؤسسة حاكمة تنفيذية، وهي طلبات من النوع التعجيزي غير القابلة للتحقيق. فالعماد عون يرى أن انتخاب العماد ميشال سليمان والإصلاحات المطلوبة شأن واحد، وهنا تكمن المعضلة، فـ«الواو» التعسفية المشروطة للعماد تجعل من الحل اللبناني أمرا مستحيلا من الناحية العملية التطبيقية، وهو بذلك «يشرعن» ويؤسس للحلول الخارجية والتدخل المباشر في الشأن اللبناني الخاص، وخصوصا أن ميشال عون هو الغطاء الشرعي لكل المعارضة اللبنانية ذات الطيف المتشابه والتوجه الواحد.

العماد عون يترأس حزبا سياسيا بمسمى التيار الوطني الديمقراطي، ويطلق عليه مسمى «التيار العوني»، وهو يحاول أن يكون له خط ونهج سياسي مميز و«مشخصن» شبيه بشارل ديغول الرئيس الفرنسي وخطه الديغولي المعروف، ولكن ديغول لم تكن «الأنا» السياسية عالية لديه بهذا الشكل، ولم يكن على استعداد لأن يضحي باستقرار بلاده وثقة الناس بها في سبيل الوصول إلى كرسي الحكم بأي وسيلة وبأي ثمن. هناك ردة عنيفة داخل التيارات المسيحية المختلفة بحق العماد عون، فالوعود والشعارات التي كان يتغنى بها عن لبنان الذي يريده ودولة المؤسسات التي يحرص عليها، ها هو شاهد عيان على فقدانها الواحدة تلو الأخرى حتى بات العماد عون أشبه بحاكم روما الشهير نيرون، الذي كان يعزف قيثارته فوق سطح قصره بروما وهي تحترق تحت ألسنة اللهب.

لبنان يحترق سياسيا ويبقى عناد العماد هو وقود النار وهواءها الذي يبقيها مشتعلة ويؤجج نيرانها. إصرار العماد على التمسك بـ«الواو» الشهيرة في ربط وتشبيك كافة الأمور بعضها بالبعض لا يمكن أن يفسر إلا بأنانية بائسة ورعونة سياسية غير عادية. العماد ميشال عون مثله مثل كافة التيارات السياسية بلبنان لديه محطته الفضائية، التي يقدم فيها برامجه المختلفة مروجا عن لبنان الحلم، فيظهر فيها المناظر والشخصيات التي تميز لبنان عن غيره، ولعل من أبرز الشخصيات اللبنانية الروحية التي يبرزها هو مار شربل فيظهر عطاياه وقصصه مع الكثيرين من محبيه، ولكن يا ترى هل كان سيرضى مار شربل بموقف ميشال عون بحق لبنان اليوم؟

[email protected]