إخاء رفح

TT

بعدما قاتل الرئيس ياسر عرفات في الأردن وهزم وشرد مقاتليه إلى لبنان، «حكّم» (حسب تعبيره) في لبنان ثم شرد مقاتليه إلى اليمن والسودان ورفاقه إلى تونس، ثم اتخذ موقفا سياسياً خاطئاً في الكويت وشرد الآلاف من الطبقة الفلسطينية العاملة والمنتجة.

عندما ذهب إلى أوسلو كان شعاره أنه يريد أي قطعة أرض يبني عليها دولته لكيلا يعود في حاجة إلى دول الآخرين. وكان يقول إنه يريد أن يعيد الصراع إلى مكانه الطبيعي، أرض فلسطين.

تضع مصر قواتها المسلحة في حالة تأهب قصوى على الحدود مع غزة، خوفاً من اجتياح فلسطيني لأراضيها. وتستعد لاستخدام أقصى وسائل القوة لمنع ذلك، وقد وجهت إنذاراً واضحاً إلى «حماس» في هذا الشأن. والمرء يتمنى ألا يحدث هذا ولا ذاك، لكيلا يبدو الفلسطينيون مرة أخرى وكأن همهم مصارعة العرب وتعكير أمنهم وتدمير استقرارهم، ولكيلا يبدو المصريون أمام العالم، وكأنهم يردون شعبا لا يطلب سوى الأغذية والمعلبات وقوارير الغاز.

لا ندري بأي حق إنساني أو اخوي أو قومي تريد حماس اجتياح حدود بلد ينوء تحت أزمة الخبز، ويواجه الاضطرابات والإضرابات وجرائم القتل في طوابير الانتظار.

ولا نعرف كيف يمكن أن تحل مشكلة غزة في مصر. ولا ندري ما هي مسؤولية مصر وحدها دون سواها من العرب، سوى صدفة أنها على الحدود. وسؤال ساذج آخر: لماذا بدل أن تجتاح حماس غزة بمثل هذه «العفوية» لا تطلب من مصر «تدبير» قوافل غذائية لها تتحدى الحصار الإسرائيلي؟ ولماذا لا ترفع قضية محقة من هذا النوع إلى الأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة ومؤسسات حقوق الإنسان. ولماذا، بدل مخاطبة الضمير العالمي حول قضية بهذا الحجم، لا تجد حماس سوى وسيلة واحدة هي اجتياح مصر بالقوة وخرق الحدود وإحراج القاهرة أمام المصريين الواقفين في طوابير الخبز وأمام العرب المتفرجين من بعيد يهتفون ويرقصون ويرددون النشيد الوطني العام: بالروح بالدم.

إذا كانت حماس تريد أن تلعب دورا سياسيا مكملا في الحرب على مصر وعرب الاعتدال، يجب ألا تنسى أمرين: الأول، أنها حكومة منتخبة ملزمة بسائر القوانين والأعراف الدولية، والثاني كرامة الشعب الفلسطيني. وهذا الشعب لا تسمح له كرامته بتصويره يجتاح الحدود الدولية كلما فرغت المخازن والدكاكين في غزة. الحاجة لا تؤدي في أي مكان إلى تناسي القوانين والأعراف واستباحة سيادة الآخرين واستقرارهم.