كراسي البحث العلمي

TT

ظلت فكرة كراسي البحث العلمي عقودا طويلة حكرا على الجامعات الغربية، وبعض هذه الكراسي لم تزل تمول من قبل شخصيات عربية وسعودية، وهي ظاهرة صحية لا جدال حولها، لكن انتقال هذه الفكرة إلى جامعاتنا المحلية أمر يدعو إلى التشجيع والدعم والمؤازرة، ومن واجب جامعاتنا وضع خطة إعلامية مكثفة للوصول بفكرة هذه الكراسي إلى الرأي العام، فلا تزال شريحة كبيرة من الناس تجهل أهداف هذه الكراسي، وأدوارها، وانعكاساتها الإيجابية على المجتمع، وأنا على ثقة بأن هذه الفكرة لو خدمت إعلاميا كما ينبغي فإن حصتها من إسهامات أفراد المجتمع ومؤسساته ستكون أكبر وأعظم لما يمكن أن تحققه هذه الكراسي العلمية من نتائج تنعكس آثارها على مختلف جوانب حياتنا الاجتماعية.. وأدلل على بيادر الاستجابة لهذه الفكرة بما قام به رجل الأعمال ناصر إبراهيم الرشيد، الذي يروي شقيقه صالح كيف أدت قناعة شقيقه بالفكرة إلى أن يتبرع بتمويل أربعة كراسي بحث في جامعة الملك سعود على مرحلتين في أسبوع واحد، فتبرع في السادس من الشهر الجاري بتمويل كرسيين للقلب والعيون، ولم تمض سوى ثلاثة أيام حتى أتبعها بكرسيين آخرين، أحدهما لرواد المستقبل، والآخر لأبحاث الوقاية من أضرار المخدرات.. وهذه الكراسي الأربعة لها انعكاساتها المباشرة على الوطن والمواطن، وتبقى للكرسيين الأخيرين خصوصية انتقائية موفقة، فكرسي رواد المستقبل يهدف إلى اكتشاف المواهب العلمية، وتشجيع الابتكار، وتطوير الذات، وغيرها من الأهداف التربوية التي يمكن أن تسهم في تشكيل نواة علماء المستقبل، كما أن كرسي أبحاث الوقاية من أضرار المخدرات يستهدف التعامل مع مشكلة المخدرات برؤية علمية مستقاة من نتائج الأبحاث التي تعمق معرفتنا بهذه المشكلة وأخطارها، ووسائل، وأساليب مواجهتها.. وهذه الاستجابة من رجل أعمال ـ بخلفية أكاديمية ـ كالدكتور ناصر الرشيد يمكن أن يعقبها الكثير من الاستجابات المماثلة من بعض الأفراد المؤمنين بالمسؤولية المشتركة بين الحكومة والمجتمع في مجالات التعليم والبحث العلمي، ففي العالم المتقدم تتجاوز حصة الإنفاق الذي يأتي من مصادر غير حكومية الحصة الحكومية في مجال البحث العلمي، حيث تصل في اليابان ـ كمثال ـ إلى نسبة 70%.

والخلاصة: إن تشجيع البحث العلمي في السعودية والأقطار العربية ليس خيارا بل ضرورة يفرضها موقعنا المتواضع جدا في الإحصاءات العالمية المقارنة، والذي سيفقدنا ـ كعرب ـ الرهان على الحاضر والمستقبل إن لم نستشعر خطورة واقعنا ونعمل على تغييره، ويكفي للتدليل على حجم الإشكالية التي يعيشها العالم العربي في مجال البحث العلمي أن نتوقف عند الحقيقة التي أوردتها إحدى الدراسات، وتشير إلى أن مجموع الإنتاج العلمي للوطن العربي ـ بكل دوله من الخليج إلى المحيط ـ لا يتجاوز 72% من إنتاج إسرائيل.. عجبي.

[email protected]