دراجات، ثورية ورجعية

TT

ثمة عنصر سحري في حياة اخواننا الأفغان (الحياة في أفغانستان تعني الحرب) يمكن أن نسميه الدراجة البخارية. ولماذا لا نزال نسمي «الموتور سايكل» دراجة «بخارية» تمييزا لها عن الدراجة الهوائية، مع أن الإنسان انتهى من العصر البخاري منذ أوائل القرن الماضي، فإني لا أدري. وليس ذلك مهماً. المهم انني كلما قرأت في أحداث اخواننا الأفغان، لا أجد سوى دراجات بخارية. الملا عمر عبر القصف الأميركي من قندهار ـ إلى الكهوف والجبال التي لا اسم لها، على دراجة بخارية. وكلما شاهد القمر الصناعي دراجة الملا عمر كان يستعد الاميركيون لارسال طائرة من دون طيار خلفه، لكنه سرعان ما يندس بين دراجين آخرين، فيعود الأميركيون عن قرارهم، أو عن ادراجهم، ولا يزالون.

قبل ان يتم الاتفاق على حميد كرزاي رئيسا في كابل، اتفق الأميركيون والبريطانيون على سياسي من «المجاهدين» السابقين يدعى عبد الحق. وقال لهم الرجل دعوني اصل الى كابل بوسائلي الخاصة، فهذا بلدي وهذه أرضي وأنا أعرفهما. لكن الاميركيين أصروا على اعتماد خبرتهم. وأرسلوه مع حراس أميركيين طوال القامات من أفضل نماذج المارينز. وطبعا لم يصل الرجل.

يروي جون سمبسون في كتابه «ليست نهاية العالم بعد» أن الأميركيين رفضوا في البداية الاستعانة بحميد كرزاي الذي لم يكن مقربا منهم. لكنهم الآن كانوا في حاجة الى بديل. وكان شرطه الأول ان يتركوه يصل الى كابل من دون «حراسة» اميركية. ولكن كيف؟ الحل الأفغاني: على دراجة بخارية. وهكذا راح يعبر الوهاد والجبال. (يا سيدي بخارية، بخارية، ما المشكلة) وفيما فرَّ حاكم أفغانستان السابق على دراجة غامضة لا يطالها الأميركيون وصل الرجل الذي سيصبح رئيسا على دراجة هو ايضا، ولكن لا يحكم على البلاد، بل على كابل وضواحيها كما يقول المراسلون.

في هذا المعنى حميد كرزاي هو الأفغاني بامتياز (بمعنى الحكم، لا بمعنى الدراجة) فلم يسجل في تاريخ أفغانستان أن احدا استطاع ان يمد سلطاته إلى ما بعد كابل ببعيد. لا الملك الراحل محمد ظاهر شاه، برغم الوقار والاحترام، ولا المجاهدون ولا طالبان، ولا بالتأكيد السوفيات الذين انتحر من جنودهم اكثر مما قتل، وهم يصعقون امام حرب بالدراجات النارية يقودها الافغان ضد قاذفات السوخوي.