تفاؤل.. ضد التيار

TT

في ظروف المنطقة الحالية والمزاج العام السائد لدى النخبة المنعكس على المزاج العام للمجتمعات، يبدو الحديث عن التفاؤل بالمستقبل أشبه بالسباحة ضد التيار العام المفعم بتشاؤم سوداوي تغذيه الاخبار اليومية التي نتلقاها عبر وسائل الاعلام والتي تتصدر نشراتها عبارات قتل وانفجر وبيانات ابو فلان وعلان الذي يتوعد بالويل والثبور وعظائم الأمور.

وقد كانت للسفير الأميركي في القاهرة وهو يودعها في نهاية مهمته بانتظار وصول السفيرة الجديدة، ملحوظة تستحق الانتباه عندما قال في تصريحات صحافية بعد كلمات المجاملة عن الفترة التي أمضاها في مدته، انه وجد المصريين غير متفائلين عموما بالمستقبل رغم انه مقتنع بأن المستقبل جيد.

وهي حالة عامة منتشرة بنسب ودرجات متفاوتة في مجتمعات المنطقة، عاكسة مناخ إحساس بمشاكل وأزمات، لكنها في أحيان كثيرة أشبه بعدوى ليس لها مبررات حقيقية، فليست كل المجتمعات تواجه نفس المشاكل او التحديات او مهددة في وجودها كما يحلو للبعض تصوير المسألة، وليس المستقبل قاتما بهده الصورة وكأن لا توجد حياة ولا يوجد شيء تفعله هده الملايين في حياتها اليومية.

صحيح ان مشاكل المنطقة كثيرة، وصورتها العامة في الخريطة العالمية أشبه بالرجل المريض، وبؤر الالتهاب لا تنطفئ فيها، وانما تتزايد وتغذي بعضها وتعتاش كل أزمة على الأزمة الأخرى لدرجة انها أصبحت بشكل او آخر مترابطة بشكل او آخر بفعل ان اللاعبين الرئيسيين اقليميا ودوليا متداخلون او مشتبكون في كل هده الجبهات. لكن الصحيح ايضا ان هناك مجتمعات عربية بعيدة عن بؤر الالتهاب هذه وليست متأثرة مباشرة بها لتجعلها قضية يومية للشارع لديها.

والأهم ان هناك فرقا بأن يكون هناك إدراك وشعور بأن هناك مشاكل وتحديات تحتاج الى البحث والتفكير في حلول وخطط عمل لها، والتشاؤم الذي يعكس قدرية لا فكاك منها، وينعكس في حالة مزاجية متشائمة محبطة تشل التفكير في امكانية او وجود حلول اصلا. او كأن بقية مناطق العالم ليست لديها مشاكلها ولم تنجح في الوصول الى تسويات أو حلول لها.

ولم تكن المنطقة من قبل من دون مشاكل، فهذا جزء من جغرافيتها وتاريخ تطورها السياسي قبل وبعد الاستقلال او تأسيس دول، والحقيقة انه رغم كل الظروف والصراعات اقليميا ودوليا فان مياها كثيرة جرت في العقود الاربعة الاخيرة تغير فيها وجه المجتمعات العربية تماما، وموقعها وأهميتها على الخريطة العالمية، تنمويا واقتصاديا وسياسيا، والشواهد قائمة في هذه المدن الحديثة والأبراج التي تبنى وشبكات الاتصالات ومئات الشبكات والقنوات التلفزيونية والمشروعات الصناعية، والأهم توسع التعليم ايا يكن النقد لمحتواه والرغبة في تحديثه، فهو لم يكن متاحا لفئات واسعة من قبل، وهو الذي ادخل شرائح ضخمة الى قطاع الدين يشعرون بأن من حقهم ان يكون لهم صوت ومستوى معيشة مقبول وليس القبول بأي شيء، وهو الذي أتاح مرونة تحسين الأوضاع في سلم المجتمع والحلم بمستقبل افضل اضافة الى ما خلق من فرص جديدة بفعل ثروات طبيعية تفجرت.

وهو ايضا الذي يدعو للتفاؤل بمستقبل المنطقة مع رؤية هده الملايين المتعلمة من الشباب المتسلحة بكل تأكيد بمهارات واتصال افضل ببقية العالم بفعل ثورة الاتصالات والمعلوماتية، والمهم هو عدم نقل مزاج التشاؤم والدونية اليهم ولا توجد أزمات او تحديات من دون حلول إذا كانت هناك عقول خلاقة.