فتاة الـ «فايس بوك»

TT

بلهجة أقرب للانفعال تحدث صديقنا الصحافي الزائر من مصر طويلاً عن وقائع إضراب 6 أبريل (نيسان) الذي شهد مواجهات وصدامات، خصوصا أنه خزن في جهاز ال Laptop الخاص به صوراً منع نشرها في الصحف القومية المصرية..

بدت حكايات زميلنا المصري مثيرة للاهتمام، خصوصاً لمعايشته حيثيات لم يتسن لنا أن نطلع عليها عبر الإعلام والصحافة. أما ما احتل الحيز الأبرز من النقاش كانت قضية من باتت تعرف في مصر اليوم بأنها فتاة الـ «فايس بوك» أو إسراء عبد الفتاح وهي الشابة المصرية التي تعمل منسقة للموارد البشرية في إحدى الشركات الخاصة، لكنها فجأة باتت واحدة من أبرز الموقوفين والمتهمين بالتحريض على الإضراب وإثارة الشغب قبل أن يطلق سراحها لاحقاً. لم تكن اسراء الوحيدة التي جرى توقيفها، فقد طالت هذه الإجراءات مدونين وكتابا وشخصيات عدة.

يصف صديقنا المصري اسراء بأنها فتاة عادية لم يسبق أن ارتبط اسمها بنشاطات سياسية أو صحافية أو حقوقية، بل إن زملاءها داخل حزب الغد الذي انضمت إليه قبل أقل من عام يطلقون عليها لقب «بسكوتة الغد» تدليلاً على لطفها، بل إنها ليست من المعارضين المعروفين للحكومة مثلا، كونها كانت ترفض الهجوم في «جروب الإضراب» على رموز الدولة..

مع ذلك لا يزال المصريون اليوم غير مصدقين كيف أن هذه الشابة ومن خلال دعوتها على موقع الفايس بوك للمشاركة في الإضراب تمكنت من استقطاب حوالي 70 ألفاً من جمهور الموقع التفاعلي الالكتروني الأكثر شهرة في العالم.

لقد جذبت دعوة اسراء الالكترونية ما عجزت أحزاب سياسية مصرية عن تحقيقه ويصعب التصديق أنها هي نفسها كانت تدرك حجم التجاوب مع نشاطها عبر موقع الفايس بوك. القبول الواسع لدى شرائح متصفحي الانترنت المصريين لهذه الدعوة يظهر مدى الحاجة لمساحات تعبير تكرر عجز وسائل الإعلام التقليدية عن استيعابها. لجأ جمهور عريض إلى هذا النوع من التواصل بعد أن تضاعفت الحاجة إلى الوعي بالقضايا السياسية وبالحريات العامة والخاصة والتي تلقى من وسائل الإعلام بما فيها مواقع الإنترنت درجات متفاوتة من التعتيم.

لا شك أن المستقبل الإعلامي يتحول تاريخيا باتجاه الإنترنت باعتبارها الوسيلة التي تقدم منافذ إعلامية ذات قدرة على الاستمرار والصمود والتطور. بات من المعروف أن سنة واحدة من عمر شبكة الإنترنت تساوي 4 سنوات من العمر الزمني الأرضي لغيرها من وسائل الإعلام. والمقصود بهذا أن الإنترنت تتطور بسرعة كبيرة، ولا يمر شهر أو بضعة أشهر إلا ويحدث تطور نوعي في طريقة عمل هذه الشبكة العنكبوتية جنبا إلى جنب مع التطورات الكمية البسيطة المتراكمة المرتبطة بها.

مثلاً، تم الانتقال من المدونات إلى الفايس بوك برشاقة، وهذا نجم عن الحاجة أيضاً لوسائل تعبير حرة وغير مؤسسة على قواعد عمل إعلامي تقليدي. بالمقابل قوبل هذا الأمر بمزيد من الحيرة والاضطراب في أوساط بعض الحكومات العربية، لأنه يجري أمام عينها تهميش للوسائل الرقابية التقليدية التي لم تعد قادرة على الإحاطة بتطور وسائل الاتصال.

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام