في رقي الخطاب

TT

اقرأ في «ملحق النهار» (توقيع حسين يعقوب) عن قاموس الهجاء السياسي الشائع في لبنان اليوم: القرد، الحاقد، الحوت، الطاغية، الطفل، الحائط، الحذاء، المجرم، العبد، الغبي، الكاذب، المجنون، الأفعى، المضحك، التابع، العميل، المتآمر، الخدمتجي، القاتل. ولا تتضمن هذه اللائحة المصطلحات التي استخدمها العماد ميشال عون في حق خصومه أهل 14 آذار: الأرانب. الواوية (أوطى أنواع الثعالب) الجهابذة. واضح أن بعض النعوت منقول، من دون الاهتمام بحقوق المؤلف، عن الأستاذ محمد الصحاف حين وقف يرد الأميركيين عن بغداد: «العلوج»، وهي الأكثر إثارة للاهتمام والأكثر شعبية بين الناس. «الأوغاد» وأيضا «القرود»، والأخيرة تستخدم في لبنان بصيغة المفرد، لأسباب غامضة ومجهولة.

كانت الألفاظ النابية في لبنان تشكل لغة لا يتحدثها سوى سائقي التاكسي، فهؤلاء كانوا يشقون في التعامل مع الناس ويتعبون في شقاء النهار والليل وعندما تهترئ أعصابهم يسقط خطابهم. وخلاف ذلك كانت الكلمة النابية مسيئة لصاحبها أولا. واشتهر الدروز بأنهم الأكثر تأدبا في خطابهم اليومي، لا يتلفظون بكلمة خطأ حتى في المعارك. لكن في المرحلة الأخيرة انضم وليد جنبلاط الى مستخدمي التعابير الشديدة الحدة. وقبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري وصفه النائب طلال أرسلان بأنه «بركيل قريطم». أي ثعبان قريطم، وهو اسم المنطقة التي يقوم فيها قصر الحريري. والبركيل كلمة قروية عامية تعني الذكر الأكثر سُما.

ليس هذا لبنان السياسي أو الاجتماعي الذي نشأت فيه. فقد توفيت جدتي عن 96 عاماً وتوفي جدي قبلها عن 86 عاماً، ولا أذكر أنني سمعت أيا منهما ينادي الآخر باسمه الأول. وحتى عندما يتحدث أحدهما عن الآخر في غيابه يشير اليه بكنيته، لا باسمه. وقد امتلأت جدران بيروت خلال الحرب بالكتابات والتحريض وظل التحقير والسب غائباً. وقد قتل الفرقاء بعضهم بعضا بالزجاج والمدافع لكنهم أبقوا الخطاب لائقا الى يوم يلتقون فيه ويتصالحون ويعفو الله عما مضى. ورحمته وحدها تتسع لما يفعله الناس بأهلهم وبلدانهم وأرضهم وشرف وطنهم. وأعتذر من الأستاذ الصحاف أنني أقحمته بين جماعتنا. فوالله كان ظريفا ومسليا. بل كانت تنتابنا حالة من الطرب وهو يردد «العلوج»، ونحن لا نعرف ماذا تعني.