لا لإلغاء الديون.. والسفارات ليست بأولوية

TT

ركزت الحركة الدبلوماسية العراقية والأميركية الأخيرة على موضوعين، محاولة اقناع الدول العربية بشطب الديون الموروثة عن النظام البائد، والثاني إصرار الحكومة الأميركية للمرة العاشرة على أن تفتح الدول الصديقة سفاراتها في العاصمة العراقية، ضمن حشد التأييد للنظام السياسي الجديد. وعندما أرفض إلغاء الديون او فتح السفارات فإن لذلك أسبابا اعتبرها منطقية جدا، بعضها قد لا يقال صراحة في المؤتمرات والمجالسات السياسية. الخطأ ليس في تحرير العراق من الديون ولا دعم النظام السياسي، بل في ترتيب الاولويات. فالمطلب العراقي والاقليمي الأول والثاني والثالث واحد، أمني فقط. الأمن كلمة واحدة لكنها مفتاح كل القضايا المعلقة.

إن أي مجرب سياسي في المنطقة يعرف ان تقديم التنازلات لا يعالج الأزمات كثيرا، بل قد يعطي نتائج عكسية. بداهة تعرف الحكومة العراقية ان شطب الديون ليس قضية في هذه اللحظة، حيث انني لم اسمع عن دولة قامت بملاحقة العراق من اجل تسديد المستحقات المالية عليه، وبالتالي لماذا تعتبرها قضية في هذه الساعة؟ ستحين الساعة عندما تتمكن السلطات العراقية من إخماد الفتن، وتثبت للعالم انها تمسك بدفة السفينة بشكل كامل، حينها ثقوا انه لن تتردد أي دولة في إلغاء الديون فورا، أولا اعترافا منها بأن العراق خرج من النفق بشكل أكيد، والثاني الحكومات، مثل الناس، مع المنتصر، ستوقع الاتفاق مع الفائز في الحرب. والسبب الأهم التثبت من هوية النظام العراقي الجديد انه بالفعل النظام الصديق الذي يستحق الدعم. ولعل من المهم شرح هذه النقطة التي قد يتحاشى الدبلوماسيون مصارحة أشقائهم بها في العراق. فالمخاوف لا تزال من ان ينتهي العراق بإحدى نهايتين مأساويتين، أن يسقط النظام الحالي بسبب الفلتان والفوضى او التآمر الخارجي او الانسحاب الاميركي.. فلماذا تعفي هذه الدول نظاما ساقطا من الديون المستوجبة عليه؟ والنهاية الأخرى التي يخشى منها ان يتعافى العراق لكن يهيمن عليه نظام تابع لايران، خاصة ان بصمات الايرانيين موجودة في اماكن كثيرة. فهل يعقل ان تقدم الدول العربية على مكافأة نظام تابع لايران، قد يكون خطرا على أمنها، بإعفائه من التزاماته المالية؟

حاليا يمكن ان يطمئن العراقيون، وتحديدا حكومة المالكي، بأن لا أحد سيطالبها بأن تسدد دولارا واحدا، على ان تترك تسوية الحسابات الى اليوم الذي تفرج فيه الأزمة. وما جعل البعض يستغرب الاهتمام أيضا لان العراق اليوم بلد غني مداخيله اكثر من سورية والاردن واليمن وفلسطين ولبنان مجتمعة. مداخيل الحكومة هذا العام ستتجاوز الخمسين مليار دولار. رقم لم تر خزينة البلاد مثله منذ عهد نبوخذ نصر، أي منذ الفين وخمسمائة عام. فالعراق بلد غني، وليس مثل الصومال او لبنان، وكل ما يحتاج اليه الاستقرار حتى ينتج ويبني ويأخذ مكانه بين شعوب العالم.

أما فتح السفارات فمسألة رمزية فقط، لأن أزمة النظام ليست في شرعيته التي يستمدها من الاعتراف الدولي به منذ اربع سنوات من قبل مجلس الامن وبقية المنظمات الدولية، والجامعة العربية، ورابطة العالم الاسلامي. في الحقيقة يملك النظام السياسي الحالي من الاعترافات الموثقة اكثر من بعض الدول العربية المكتظة عواصمها بالأعلام الاجنبية والسفارات. عدم فتح السفارات ليس رفضا للنظام الحالي بل في الحقيقة الخوف على الدبلوماسيين، وكثير من المرشحين للعمل في العراق رفضوا الانتقال الى بغداد.

[email protected]