النفاق في التيبت.. تأملات شخصية

TT

كنت أشاهد باندهاش واهتمام متزايد الاعتداءات على الشعلة الأولمبية وهي تمر بلندن وباريس وسان فرانسيسكو، بالإضافة إلى البيانات التي يصدرها بعض «القادة» الأوروبيين (بل البرلمان الأوروبي والسكرتير العام للأمم المتحدة وجون ماكين) بأنهم لن يحضروا حفل الافتتاح أو أنهم يفكرون جديا في عدم الحضور أو حث غيرهم على عدم الحضور إلا إذا أذعنت الصين لمطالبهم فيما يتعلق بـ«حقوق الإنسان». فهل دعا هؤلاء من أحد؟ من يحتاج إلى هؤلاء؟ لماذا يحرص الصينيون على حضور مثل هؤلاء؟ عليّ أن أوضح منذ البداية أنني مناصر لقضية التيبت وأهلها. وقد حظيت بشرف مقابلة الدالاي لاما في مناسبتين، أخراهما حين تحدثنا في مؤتمر حقوق الإنسان الذي عقد في السويد، وما زال القميص الأبيض الذي أهداني إياه معلّقاً في غرفة العمل الخاصة بي. وبصورة شخصية، فإنني أعتقد أنه شخص هادئ ومتواضع ويبدو عليه الورع، وهو لا يشبه الكثير ممن قابلتهم. وأتمنى أن يرجع إلى قصر بوتالا وأن يتمتع شعبه بالاستقلال الإداري والثقافي الذي يطمح إليه.

وبالإضافة إلى ذلك، فعندما سافرت إلى التيبت عام 1981 اكتشفت أنها من أروع الأماكن التي زرتها على الإطلاق. لقد أدهشتني في كل شيء.

لكنني أعتقد أن موجة معاداة الصين الحالية في الغرب، تتنكر في زي مناصري التيبت (وإلى حد ما في زي مناصري دارفور)، وأن التغطية الإعلامية الغربية لهذه الموجة تفوح منها رائحة النفاق. وأستطيع أن أجزم بأن أعمال العنف الأخيرة التي اندلعت عندما ضاق بعض أهل التيبت ذرعا باحتلال الهان الصينيين لمناطق التيبت التقليدية، قد اتسمت بالحنق الشديد حتى أنه تم إحراق بعض محلات الهان الصينيين وتم قتل بعضهم. فماذا نتوقع من السلطات الصينية أن تفعل في مثل هذه الظروف؟ ماذا حدث عندما قام بعض الأفارقة الأميركيين في لوس أنجليس بأعمال عنف، وأحرقوا بعض المحلات التي يمتلكها البيض والكوريون وهاجموا بعض الأفراد غير السود؟ هل هربت الشرطة الأميركية؟ أذكر أنهم قاموا بإحلال النظام. وذلك ما تفعله الشرطة الصينية. (ومن الناحية العملية، فإن أبشع الصور التي تم التقاطها لقمع الشرطة للمتظاهرين لم تأت من الصين، وإنما من بلاد أخرى أبرزها نيبال). فهل يمكن أن يجادل أحد بأن معالجة الشرطة الصينية لموضوع أهل التيبت (الذين لم يتعرضوا للإبادة الجماعية أو التطهير العرقي، والذين ما زالوا يعيشون على أرض أجدادهم) يمكن أن تقارن بالمعاملة التي كان يلقاها الأميركيون الأصليون من جانب المحتلين الأوروبيين لشمال أميركا، أو المعاملة التي يلقاها (وما زال يلقاها) الشعب الفلسطيني على يد المحتلين الصهاينة لأرض فلسطين؟ فهل يمكن أن يجادل أحد بأن وضع هؤلاء يشبه وضع أولئك؟

لقد كانت سياسة الحكومة الصينية دائما مع أكثر من 50 جماعة عرقية معترفا بها، ويشكلون ستة في المائة من عدد السكان الهائل في الصين، هي العمل على التكامل الثقافي بين مواطني الصين جميعا بدلا من التعددية الثقافية. وبالطبع لا يمكننا أن نتجاهل أن بعض الأفراد منجذبون بطبيعتهم إلى ثقافاتهم الخاصة، ولا يرغبون في الاندماج في ثقافة أخرى. فإذا كان تعامل الصينيين مع بعض الأقليات العرقية يستحق النقد، فإن معظم المراقبين الجادين سوف يجادلون بأن القمع ضد اليغوريين من أهل زينغيانغ كان أسوأ من القمع ضد أهل التيبت.

ومع ذلك، فإنه على الرغم من زيادة عدد اليغوريين على أهل التيبت، إلا أننا نسمع القليل جدا عن اليغوريين في الغرب. حسناً.. إنهم مسلمون.

وقد صنفت الولايات المتحدة الحركات القومية اليغورية على أنها جماعات «إرهابية» وقد نزح أربعة أشخاص منهم إلى أفغانستان وتم احتجازهم لفترات طويلة في معتقل غوانتانامو، على الرغم من تبرئتهم من تهمة تهديد أميركا، وبعد ذلك تم نفيهم إلى ألبانيا لأنه لم تكن هناك دولة ترغب في منحهم حق اللجوء السياسي. وبالإضافة إلى ذلك، كيف يمكن تحميل الصين معاناة أهل دارفور الناتجة عن الصراع بين العديد من الجماعات الانفصالية والقوات الحكومية (هل لأن الصين تستثمر في النفط السوداني؟) ولا نحمل أميركا والغرب مسؤولية المعاناة الإنسانية الناتجة عن غزو واحتلال أفغانستان والعراق، والتمويل غير المشروط والدعم الدبلوماسي لاحتلال إسرائيل لفلسطين؟

وفي ما يتعلق بدور الصين في الشؤون الدولية، فقد أثبتت الصين أنها تنين لطيف خلال العقود الأخيرة، حيث اهتمت بالأوضاع الاقتصادية وتحسين مستوى معيشة المواطنين بدلا من العدوان العسكري ومحاولة احتلال العالم، بالإضافة إلى ازدياد قوتها العسكرية والاقتصادية.

إن البحث عن شعور عاطفي شخصي أو نفع سياسي محلي من خلال إلقاء السهام على التنين الصيني بلا مسوغ أو مبرر، ليس هو الخيار الصحيح.

العالم لديه ما يكفي من المشاكل.

* محام دولي ومؤلف كتاب «العالم من منظور وايتبيك»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»