الدور الأميركي في الحوار

TT

يمثل إنهاء الانقسام والخلافات الفلسطينية الداخلية حلما وطموحا لكل فلسطيني وعربي صادق، ولذا لم يكن غريبا أن تتواصل الدعوات للخروج من الحالة الفلسطينية الراهنة.

ولا يمكن فهم استمرار هذا الانقسام إلا بالتذكير بخلفيات الأزمة الراهنة على الساحة الفلسطينية، وهي خلفيات مرتبطة بالدور الأميركي بشكل أساسي حيث أخذت الإدارة الأميركية مع الاحتلال الاسرائيلي وبعض الأطراف الدولية على عاتقها إسقاط التجربة الديمقراطية التي أوصلت حماس إلى الحكم. ومارست خطوات عديدة في هذا السياق، كان أبرزها مخطط «دايتون» التي استخدمت فيه الإدارة الأميركية مجموعات فلسطينية تم تدريبها وتسليحها وتمويلها للانقلاب على حركة حماس. لكن يقظة حماس وقوتها أفشلتا المخطط.

ونحن هنا لا نتحدث عن استنتاجات بل عن معلومات دقيقة، خاصة بعد اعترافات العديد من قادة فتح من خلال مناكفاتهم السياسية حول تورط حركتهم في أحداث يونيو لإسقاط حماس، وبعد التقرير المهم الذي نشرته مجلة «فانتي فير» الأميركية والذي اعتمد على محاضر جلسات وتصريحات لمسؤولين أميركيين بارزين في البيت الأبيض اعترفوا خلالها بتورط بلادهم في التخطيط والإشراف على هذا المخطط.

إن استذكار هذه الخلفيات غاية في الأهمية لأنه ينسف فكرة انقلاب حماس، التي تبني حركة فتح موقفها على أساسها، وتجعل من غير المقبول استمرار رئيس السلطة التمسك بشرطه التقليدي وهو تراجع حماس عن «الانقلاب» قبل أي حوار معها. كما تؤكد هذه الخلفيات أن التدخل الخارجي واستجابة فتح له هما السبب الرئيسي في الانقسام على الساحة الفلسطينية.

لقد رحبت حركة حماس بكل المبادرات والجهود المصرية والسعودية والسودانية والقطرية والسورية واليمنية وغيرها، مقابل رفض مستمر من رئيس السلطة محمود عباس وحركة فتح لأي من هذه المبادرات، واشتراطها ذلك بشروط مسبقة لا علاقة لها بحقيقة ما حدث في قطاع غزة قبل يونيو 2007.

ثم كان أخيرا إعلان صنعاء الذي وقعت عليه الحركتان حماس وفتح في مارس 2008، ولم تلبث حركة فتح أن تنصلت منه قبل أن يجف حبر التوقيع، وأكد على ذلك أبو مازن خلال كلمته في قمة دمشق بأن لا حوار مع حماس قبل التزامها بشروطه المسبقة، رغم أن إعلان صنعاء هو إطار للحوار كما تشير نصوصه. وبذلك فقد دفن أبو مازن بهذه المواقف إعلان صنعاء شأنه شأن كل المبادرات السابقة التي رفضها.

إن التفسير الوحيد لهذه المواقف هو إن قرار الحوار بات قرارا أميركيا إسرائيليا، ولم يعد الرئيس أبو مازن أو حركة فتح تملك حق الجلوس مع حماس على طاولة واحدة في ظل الرفض الأميركي. وهو أمر أكدته تصريحات تشيني والتصريحات الصادرة عن تل أبيب، وفي ظل هذه الرؤية، فإن كل التحركات العربية ستبقى فاقدة المضمون ومحكوماً عليها بالفشل بسبب ارتهان النظام الرسمي العربي والسلطة الفلسطينية للإدارة الأميركية. هذا إضافة إلى رغبة عدد من الأطراف العربية الرئيسية لاستمرار القطيعة بين حماس وفتح ظناً منها بأن ذلك سيسهم في استمرار حصار حركة حماس.

ان المخرج الحقيقي من الأزمة الفلسطينية الراهنة لن يكون إلا من خلال تحرر فتح وأبو مازن من الارتهان الأميركي ورفض التدخل الخارجي في الشأن الفلسطيني، أو خروج قيادة جديدة من فتح تؤمن بالمصالحة مع حماس وتعمل من أجلها وتتجاوز القيادة الحالية التي ربطت مصير فتح والقضية الفلسطينية برمتها بالقرار الأميركي والإسرائيلي.

ومن الوارد أن نسمع عن مبادرات عربية جديدة للمصالحة بين حماس وفتح، وستستمر حماس في الاستجابة لها والتفاعل معها انطلاقا من إيمانها بالحوار والوحدة. لكن ستبقى هذه المبادرات طحناً في الهواء ولن يكتب لها النجاح طالما استمر الارتهان للموقف الأميركي، وسيبقى على حركة فتح أن تجيب عن السؤال: هل ستفلح في التخلص من الارتهان للإدارة الأميركية أو هل ستفلح في تغيير قيادتها الحالية؟

* الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس