لماذا تمنح طهران روسيا حق إنزال قواتها في إيران؟

TT

لماذا تتلهف القيادة السياسية في طهران على منح روسيا حق هبوط قواتها في إيران؟

والسؤال ليس نظريا، فالجمهورية الإسلامية تدير حملة ماكرة لإعداد الرأي العام لهذا الحدث. ويتم نقل الرسائل عبر عبارات غامضة عمدا يفهمها الدبلوماسيون على الفور ولا يستوعبها الرأي العام.

وتهدف العملية إلى إحياء معاهدتين يعتقد معظم دارسي التاريخ الإيراني اختفاءهما منذ أمد طويل. الأولى: هي معاهدة 1921 التي وقعتها حكومة سيد ضياء الدين طباطبائي، بعد وصوله إلى السلطة في عصيان مسلح، مع نظام فلاديمير لينين البلشفي. وكان لدى البولشفيين قوات في إقليم جيلان الإيراني على بحر قزوين، تدعم التمرد بقيادة الملا اليساري ميرزا كوشاك خان. كما تعهد بسحب قواته من جيلان. وطورت المعاهدة العلاقات في بحر قزوين، ومنحت إيران المزيد من الحقوق في ما يتعلق بصيد الأسماك والملاحة. ويمثل ذلك إشارة كريمة تجاه حكومة طباطبائي الجديدة، التي لا تزال هشة، كانت في حاجة إلى كل الأخبار الجيدة التي يمكنها الحصول عليها في ما يتعلق بالقوى الكبرى.

وعلى الرغم من ذلك، وكما هو الأمر عندما تتوصل دولة ضعيفة إلى اتفاق مع جار أكبر، كانت في المعاهدة شروط مجحفة، فهي تمنح الروس حق هبوط قواتها في إيران عندما تصل قوات أي قوى أجنبية أخرى إلى إيران. وفي ذلك الوقت كانت القوات البريطانية هي التي يفكر فيها لينين. وكان طباطبائي يريد استخدام تهديد التدخل الروسي العسكري كوسيلة لإجبار بريطانيا على إنهاء وجودها العسكري في إيران. غير أن المعاهدة لم تستخدم أبدا لغرضها الأصلي. فقد تخلى البريطانيون عن حلفائهم المعادين للثورة البولشفية، عندما تبين لهم أنهم ضعفاء للغاية من أن يتمكنوا من هزيمة إمبراطورية لينين الجديدة. وبالنسبة للينين، كان يعتقد انه يمكن ضم إيران إلى إمبراطوريته عبر الآيديولوجية بدلا من الغزو، وتخلى ملا الغابات وسحب القوات الروسية.

غير انه في عام 1941 قامت القوات السوفييتية في ظل ستالين هذه المرة بغزو إيران، وكانت الذريعة القانونية معاهدة 1921. وزعمت الدعاية السوفييتية أن وجود عدد قليل من الخبراء الألمان، وربما الجواسيس في طهران يرقى إلى قوة أجنبية معادية على الأرض الإيرانية، وكان رضا شاه، ملك إيران، قد رفض أن يطرد الألمان، ربما على أمل ان هتلر يمكن أن يلحق هزيمة بروسيا وبريطانيا، وهما عدوا إيران الأساسيان لفترة 150 عاما.

وخلال أيام من الغزو السوفييتي المدعوم من جانب غزو بريطاني لأراض إيرانية من العراق أرغم رضا شاه على التوجه إلى المنفى. وتعين على الحكومة الإيرانية الجديدة في ظل رئيس الوزراء محمد علي فروغي أن تقبل شرعية الغزو بموجب معاهدة 1921.

ومع ذلك فإن كلا الجانبين شعرا بأن معاهدة جديدة كانت ضرورية لتقرير حالة القوات السوفييتية في إيران. وأجريت المفاوضات بأقصى سرعة، حيث كان البريطانيون يدعمون السوفييت باسم تحالفهم ضد ألمانيا النازية.

واحتج الجانب الإيراني، الضعيف والمفكك في بلد تحت الاحتلال الأجنبي. ولكن بوجود البندقية الموجهة إلى رأسه انتهى إلى التوقيع على معاهدة 1941. وأعادت المعاهدة الجديدة، التي تذكر بمعاهدة 1921، التأكيد على حق اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية في إرسال قوات إلى إيران متى ما شعرت موسكو بأنها مهددة من جانب وجود قوة ثالثة في إيران.

ودخلت المعاهدتان ذاكرة إيران الدبلوماسية، باعتبارهما لحظتين مظلمتين في التاريخ. ووصف عباس علي خلعتبري، وزير خارجية إيران خلال أعوام 1971 و1978، المعاهدتين باعتبارهما «جرحين نازفين في قلبنا».

وفي عام 1946، عندما أرغمت قوات ستالين على الرحيل، أعلن الشاه أن المعاهدتين «ماتتا ودفنتا». ولكن بمواجهة حزب شيوعي قوي مدعوم من السوفييت وحلفائه كان الشاه من الضعف بحيث أنه لم يطلب من البرلمان إلغاء المعاهدتين رسميا.

وفي عام 1963 شن السوفييت حملة لإنعاش المعاهدتين. وزعموا ان وصول المرشدين العسكريين الأميركيين إلى إيران، الذين دعوا للمساعدة في بناء القوة الجوية الإيرانية الجديدة، يرقى إلى «وجود أجنبي معاد» بموجب شروط المعاهدتين.

وتجاهل الإيرانيون الحملة السوفييتية وفي عدد من الحالات أعلنوا إلغاء المعاهدتين من طرف واحد. وجاءت الخطوة الرسمية الأكثر أهمية لإلغاء المعاهدتين بعد سقوط الشاه.

ففي عام 1980 أعلن إبراهيم يزدي المواطن الأميركي من أصل إيراني ووزير خارجية الخميني، ان الجمهورية الإسلامية الفتية لا تعترف بالمعاهدتين. ونشبت معركة دبلوماسية وقف فيها الجانب الإيراني إلى جانب إعلان يزدي.

ووصل الأمر إلى طريق مسدود، إذ ان غالبية الخبراء ترى ان الاتفاقيات لم تكن سارية حتى انهيار الإمبراطورية السوفييتية عام 1991. بعد ذلك لم يذكر أي من الطرفين الاتفاقيات، ربما بسبب اقتناعهما بأن الاتفاقيات بين النظامين المنهارين لا يمكن تطبيقها في ظروف اتسمت بتغيرات جذرية.

لذا، يمكن ان يتخيل المرء الدهشة التي سببها قرار احمدي نجاد ببدء المحادثات حول الاتفاقيتين وكأنهما لا تزالان ساريتين.

تطرق مساعدوه، بمن في ذلك وزير الخارجية منوشهر متكي، الاتفاقيات ذات الصلة ببحر قزوين وطلب الجمهورية الإسلامية الانضمام إلى روسيا والصين ضمن مجموعة شنغهاي للتعاون الأمني. وذهب متكي إلى أبعد من ذلك باقتراحه تخلي إيران عن الاسم الفارسي لبحر قزوين، أي «بحر مازنداران»، وتبني اسم روسي ورد في الاتفاقيات بين الجانبين. ولمزيد من الإرضاء للجانب الروسي، لمح متكي أيضا إلى ان تجاهل طلبات إيران بالحصول على 20 بالمائة من موارد بحر قزوين، لكنها لم تحصل في نهاية الأمر سوى على 11 بالمائة فقط. لماذا تحرص إدارة تتظاهر بأنها تعمل على تنفيذ مهمة من «الإمام الغائب» لتحرير العالم بأسره على إعطاء روسيا إذنا بإرسال قوات إلى إيران؟

من الواضح ان احمدي نجاد وحده وشركاءه يعرفون تماما الإجابة على هذا السؤال. إلا انه يمكن القول أيضا ان احمدي نجاد قد توصل إلى ان الحرب مع الولايات المتحدة أمر حتمي. وهي حرب من المحتمل ان تسيطر الولايات المتحدة فيها على حقول النفط الإيرانية، خصوصا أنها هدف سهل لشن هجوم مفاجئ ويصعب الدفاع عنها. بمجرد حدوث ذلك، من الممكن ان تنزل روسيا قوات شمال إيران، ثم تتوجه إلى الأمم المتحدة للمطالبة بوقف لإطلاق النار والتوصل إلى جدول زمني لسحب كل القوات الأجنبية من الأراضي الإيرانية. ستصبح الولايات المتحدة تحت ضغط بهدف حملها للتعاون مع روسيا على إنهاء النزاع وتمهيد الطريق لمغادرة القوات الأجنبية واستعادة السيادة الإيرانية.

إذا كان ذلك هو ما يفكر فيه أحمدي نجاد الآن، فإنه يكون قد عاد إلى عام 1921 وسيد ضياء الدين طباطبائي في إيران عندما كانت الدولة ضعيفة وعرضة للمخاطر. وهذا ليس شيئا يبعث على الفخر لشخص يطمح إلى قيادة البشرية إلى طريق جديد بخلاف طريق «الغرور الأميركي».