الانتخابات الأميركية والاستسلام للأقوال السائدة

TT

هل ستتحول مقولة باراك أوباما «الساخرة» التي ذاع صيتها في الأيام الماضية، إلى صفقة سياسية كبيرة؟ الحقيقة أنه ليس لدي فكرة عن ذلك!

لكن هناك سؤالا آخر: هل كان أوباما محقا؟ لقد كانت تعليقات أوباما ممتزجة بنبرة من الثقة حول الاقتصاد والاجتماع والسلوك الانتخابي. وفي كل حالة، كانت معظم هذه التعليقات إن لم يكن كلها، خاطئة.

ولنبدأ بالتعليقات الاقتصادية، فهو يقول: «إنني أذهب إلى المدن الصغيرة في ولاية بنسلفانيا، ومثل العديد من المدن الصغيرة في الغرب الأوسط، كانت الوظائف تستمر لأكثر من 25 عاما، ولا شيء يهدد بفقدانها. ولكنها انخفضت في عهد إدارتي كلينتون وبوش».

وفي الواقع، فقد كانت هناك مطاحن يتم إغلاقها في فترة الثمانينات ولم يتم استبدالها. لكن القول بأن أخصب أرض أميركية قد عانت بالصورة نفسها في عهد إدارتي كلينتون وبوش، يعتبر قولا مضللا إلى حد كبير.

وحقيقة الأمر أن سنوات كلينتون كانت جيدة جدا للأميركيين العاملين في الغرب الأوسط، حيث ارتفع متوسط عائدات المنازل قبل الانخفاض الذي حدث بعد عام 2000. (ويمكنك الاطلاع على الأرقام على المدونة الخاصة بي: krugman.blogs.nytimes.com)

ويمكننا المجادلة بشأن ما يستحقه كلينتون في مقابل ذلك الازدهار. لكنني لو كنت أنتمي إلى الحزب الديمقراطي، فإنني سأحث أوباما على عدم الخلط بين عهد إدارة كلينتون المزدهر وعهد إدارة بوش التي تعرضت لأزمة اقتصادية.

ونتطرق الآن إلى التعليقات الاجتماعية. يقول أوباما: «وليس من المدهش إذًا أنهم يغضبون ويحملون الأسلحة أو يتمسكون بالدين أو يكرهون من لا يوافقهم».

إن الكلمة الهامة هنا ليست «يغضبون» وإنما كلمة «يتمسكون». فهل الأوضاع الاقتصادية الصعبة تدفع الأفراد إلى الموت أو إلى التقرب إلى الله أو معاداة الأجانب؟

نعم ربما يكون الأفراد في الولايات الفقيرة يحضرون الصلاة بصورة أكثر من المقيمين في الولايات الغنية. وربما يشير ذلك إلى أن الإيمان مرتبط بالوضع الاقتصادي. لكن هذه النتيجة تعارض حقيقة أن الأفراد في الولايات الجنوبية يحافظون على الصلاة رغم أنها ولايات فقيرة. وهناك ولايات فقيرة خارج الجنوب مثل ماين ومونتانا لا تهتم بالدين كثيرا مثل ولاية كونيكتيكت. وبالإضافة إلى ذلك، يميل الأفراد من ذوي الدخل المنخفض في الولايات الفقيرة إلى عدم المواظبة على الصلاة، على عكس الأفراد ذوي الدخل المرتفع في هذه الولايات. (وتنعكس العلاقة في الولايات الغنية.) وبصورة عامة، فإنه ليس هناك علاقة بين الإيمان وسوء الأوضاع الاقتصادية.

أخيرا، أوضح أوباما أن الأفراد الذين يتحدث عنهم «لا يصوتون من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية، وإنما يهتمون بأشياء من قبيل حمل الأسلحة والزواج بين الشواذ». وهناك نظرية سياسية مشهورة تقول بأن مشاكل «القيم» تقود الطبقة العاملة من الأميركيين إلى التصويت ضد مصالحهم باختيار المرشح الجمهوري. ويبدو أن أوباما يعتقد أن ذلك هو سبب تأييد هؤلاء لهيلاري كلينتون. لقد كنت معجبا بهذه النظرية، لكن زميلي لاري بارتلز في كلية برنستون أقنعني بأنها خاطئة. وقد استشهد بارتلز ببيانات توضح أن الطبقة المتوسطة من الأميركيين في المدن الصغرى لا يصوتون في الغالب حسب القيم الدينية أو الاجتماعية، ولا يفضلون المرشحين الجمهوريين، بل على العكس من ذلك، فالديمقراطيون يلقون تأييدا من قبل هذه الطبقة في الوقت الحاضر بمعدل أكبر مما كان عليه في الستينات من القرن الماضي.

وحقيقي أن الأميركيين الذين يواظبون على الصلاة بانتظام يفضلون المرشح الجمهوري. ولكن على عكس الاتجاه السائد، فإن هذه العلاقة ضعيفة بين أصحاب الدخل المنخفض ولكنها قوية بين الناخبين من أصحاب الدخل المرتفع. ولا يتعلق الأمر بإقناع الطبقة العاملة بالتصويت ضد مصالحها ولكن بانتشار زخم الفكر الإنجيلي بينها.

إذاً لماذا كسب الجمهوريون العديد من الانتخابات؟ يوضح بارتلز في كتابه «الديمقراطية غير المتساوية» أن «تحول الجنوب من تأييد الحزب الديمقراطي إلى تأييد الحزب الجمهوري هو السبب في ذلك النجاح».

فهل يعتبر تبني أوباما للنظرية الخاطئة بشأن ما يحفّز الطبقة العاملة في التصويت أمرا مهما؟ لا شك أن حملته لم تقم على هذه النظرية التي تنادي بالتركيز على المشاكل الاقتصادية كأسلوب لاستعادة تأييد الطبقة العاملة. وفي الواقع، فإن الكتاب ينتهي بهجوم شديد على الديمقراطيين الذين يخدمون «المهنيين الأثرياء ذوي الياقات البيضاء الذين يمتازون بالتحرر فيما يتعلق بالأمور الاجتماعية». ويسقطون «لغة مخاطبة الجمهور التي كانت تميزهم تماما عن الجمهوريين». أليس هذا هو ما تبدو عليه حملة أوباما؟ على أية حال، فإن النقطة الهامة هي أن الطبقة العاملة من الأميركيين تصوّت من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية – ويمكن أن يعطوا تأييدهم للسياسي الذي يعطيهم حلولا حقيقية لمشكلاتهم.

وهناك شيء آخر: لنأمل أنه بمجرد أن ينتهي سباق أوباما أمام أي شخص يسمى كلينتون، فإنه سوف يتوقف عن تشويه السجل الاقتصادي المميز للإدارة الديمقراطية الوحيدة التي ما زال معظم الأميركيين يتذكرونها.

* خدمة «نيويورك تايمز»