الفنان قال كلمته ومضى!

TT

هذه القضية عمرها أكثر من خمسة قرون، وتستأنف الحكم من جيل إلى جيل.. إنها حكاية فنان عظيم رسم لوحة لسيدة جميلة تبتسم.

الفنان هو دافنشي والسيدة هي موناليزا.. ومنذ ذلك اليوم والناس حائرون في معنى الابتسامة.

قالوا: لقد قال لها نكتة فكانت هذه الابتسامة الخجول.

وقالوا: إن السيدة كانت في بيته لسبب ما. فآتي لها بفرقة موسيقية لكي ينتزع هذه الابتسامة الخالدة..

وقالوا: إنها حامل.. وإنها سعيدة لذلك.. وإن الحمل في شهوره الأولى.. وإنها ابتسامة السعادة الهادئة وسعادة الأنوثة التي اكتملت..

وقالوا: ولا حاجة إنها ابتسمت من نفسها لتكون صورتها أجمل..

ولم يسأل أحد الفنان نفسه: ما معنى هذه الابتسامة، ولكن الفنان ليس قادراً على الشرح والتحليل، إنه رسمها كما أحس بها وبس!! أما معنى الابتسامة فهذا شأن الذين يتفرجون عليها..

كل واحد حر في أن يختار المعنى الذي رآه..

والفنان قال كلمته ومضى.. وجاء النقاد والمؤرخون يقولون ويخترعون وهذا شأنهم، أما الفنان فقد انتهى من كلامه واتجه إلى عمل فني آخر..

فما هو الفن؟

الفن تعبير.. أي أن الفنان عنده معنى نقله من دماغه عبر أصابعه إلى اللوحة بالألوان والظلال والضياء والخطوط والمساحات..

ويقال: الفن تعبير جميل أي يجب أن يكون جميلاً، ولكن الجمال نسبي فالفنان يراه بشكل، والمشاهد يراه بشكل آخر ويقال: الفن تعبير سار أي يجب أن يشعر المتفرج أمام اللوحة بالسرور أو بالارتياح.. تماماً كما يتخفف الإنسان من ملابسه الثقيلة ومن همومه أيضاً..

آخر تفسيرات «الموناليزا» أو«الجيوكندا» أي الباسمة أن التصوير بالأشعة السينية قد كشف لنا أن الفنان لم يجعل الشفتين متوازيتين أو متطابقتين وهذا الانحراف الدقيق هو الذي صنع هذا الغموض..

وكل هذه المعاني لم تخطر على بال الفنان. إنه مثل كل الفنانين قد رسم.. وأن تستريح أو لا تستريح، فهذا شأنك، أما هو فقد أكمل لوحته، ولم يعد لديه ما يعنيه!