هل تحب (العنب) أم (البلح)؟!

TT

هل النجاح يتوقف على الشهادات؟!

لا اعتقد ذلك، رغم أنني من أوائل الناس المؤمنين بالعلم، الذي هو المحرك الأساسي لتقدم البشرية.. ولكن ورغم ذلك فقد برز وتفوق أناس لم يأخذوا من العلم إلاّ النزر اليسير، بل أن بعضهم لا يكادون يقرأون أو يكتبون، صحيح أن هؤلاء ليسوا مقياساً نركن إليه أو نتخذه مثالاً أو قدوة، ولكنه حاصل بالفعل سواء شئنا ذلك أم أبينا.

ولدينا في الساحة العربية وكذلك العالمية أسماء ونماذج سجلت نجاحات لم تخطر على البال، بعضها لعب (الحظ) معها، وأكثرها لم يكن للحظ فيها أي نصيب، وإنما الجهد والمثابرة والشجاعة وعدم اليأس هي التي صنعتها.

ولو أردت أن أضرب أمثالاً وأورد أسماء، لما كفاني هذا الحيز الصغير لذكرها.

ولكنني أورد نموذجاً واحداً كنت شاهداً عليه لأنني معاصر لأبطاله.

هناك اثنان، الأول: هو ابن لرجل مقتدر وله مكانته الاجتماعية. وكان ذلك الابن متفوقاً في جميع مراحله الدراسية، وأرسله والده إلى أمريكا للدراسة على حسابه، وتخرج في جامعة (ستانفورد) في مجال الاقتصاد.

أما الثاني، فقد كان ابناً للسائق في منزل ذلك الرجل، وهو على شيء من الشقاوة والرسوب المتكرر بالمدرسة، وفوق ذلك كان غير طليق اللسان ودائم (التأتأة). وأذكر عندما كنت أزورهم في المنزل الكبير، كان الأول كثير التندر على الثاني، واتهامه المتواصل بالغباء. وكنت في بعض الأحيان أشاركه (بالتريقة) على الثاني الخفيف الدم والعقل معاً، والذي لم يكن يغضب من مزاحنا وتندرنا عليه.

ومرت الأعوام وتوفيَّ الرجل المقتدر وانشأ ابنه مؤسسة اقتصادية استشارية، فيما (الثاني) ترك الدراسة نهائياً، وعمل فترة في ورشة لسمكرة السيارات، وجمع بعض المال واستلف بعضه من صديقه الاقتصادي الاستشاري الذي أعطاه المبلغ، وهو يضحك ويقول له: «أحلق دقني إن كان فلحت».

وبالاتفاق مع حداد ونجار وبويجي، استطاع خلال عدّة اشهر أن يصنع أربعة بيوت جاهزة من (البورت كين) عبارة عن غرفتين وحمام ومطبخ وصورها وأخذ يلف بها ويعرضها على الشركات. واستطاع أخيراً أن يبيعها بثمن وفير، وصنع بعدها ثمانية، وباعها، ثم أكثر وأكثر (وكرّت معه السبحة). وانطلق للسوق العقاري الأكبر في مجال الأراضي والمنازل، واستطاع أن يكسب الثقة بأمانته، وأن (يجمع الكثير من الرؤوس بالحلال) ـ والله أعلم ـ، المهم انه اخذ يسجل الصفقات تلو الصفقات ويرتفع فوق السحاب، فيما صديقه وربيبه الاقتصادي الاستشاري ما زال في مكتبه (محلك سر) يقدم النصائح بطريقة (تنظيرية) بحتة.

واليوم فثروة ابن السائق الذي لم يستطع أن يحصل حتى ولا على الشهادة المتوسطة، تزيد مائة مرة على ثروة ابن الرجل المقتدر، الذي يعلق على مكتبه شهادة الاقتصاد من جامعة (ستانفورد) المؤطرة ببرواز مذهب.

(الخيابة) ليست هنا، ولكنها تكمن في شخصيتي (غير المتواضعة)، حيث أنني عاصرت الاثنين اللذين هما من جيلي، ووقفت طوال الوقت متفرجاً، فلم احصل (لا على عنب الشام ولا على بلح اليمن).

[email protected]