استهزاء عمدة لندن «الأحمر» بعقول العرب والمسلمين

TT

يتوجه ناخبو لندن الى صناديق الاقتراع يوم الخميس لاختيارعمدة العاصمة لسنوات اربع قادمة. يقطن لندن قرابة 650 الف مسلم ثلثهم تقريبا من بلدان عربية، يصعب تحديد عدد المقيدين منهم بجداول الانتخاب، لكن من يحق لهم التصويت منهم قد يناهز 400 الف.

بعكس الانتخابات النيابية العامة لا يشترط حمل الناخب للجنسية البريطانية ليقترع محليا، بل الحق يكتسب لمجرد الاقامة في العاصمة ودفع الضريبة العقارية على المسكن.

ولدي قليل من الشك في دعم محبي الديموقراطية لفكرة حث العرب والمسلمين على الادلاء بالصوت للمرشح القادر على تقديم افضل الخدمات لهم؛ خاصة وان السواد الاعظم من عرب لندن ومسلميها ينتمون للطبقات المتوسطة التي تبذل الجهد الكبير في قطاع الخدمات.

على العرب التصويت بعقولهم للمرشح القادر على تلبية حاجاته، بدلا من الوقوع في فخ العاطفة بالتصويت لمرشحح يطلق شعارات براقة، عن تأيده لحق الفلسطينيين ويدين التدخل في العراق، وغيرها من شعارات الفضائيات الغوغائية.

رافع الشعارات الغوغائية هو كين ليفنغستون عمدة لندن منذ عام 2000، المعروف بكين «الأحمر» لتاريخه الشيوعي وارتباطه في السبعينات بحزب ثوري متطرف كان يحرر صحيفته التي مولها آنذاك الديكتاتور العراقي الراحل صدام حسين، والزعيم الثورجي الكولونيل معمر القذافي.

ويبدو ان بعض المنتفعين بهبات العمدة ودعمه في منظمات اسلامية لم ينتخبها احد ولا تمثل الا اعضاءها، نصح كين الاحمر بان العرب قوم عاطفيون يحركهم برنامج صارخ معاكس على فضائيات غوغائية، او خطبة حماسية القاها امام «جهادي»، فيدفعهم الحماس للتصويت لمن يسمعهم اغنية تدغدغ عواطفهم، ولا يفكرون في ما إذا كان قادرا عمليا على تنفيذ شعاراته.

فصلاحيات العمدة الادارية والتنفيذية تنحصر في ادارة المواصلات وجمع القمامة من الشوارع وتنظيم المرور فيها ولا يملك حتى صلاحية تحديد ثمن استهلاك المياه في العاصمة. اما سياسة بريطانيا تجاه الشرق الاوسط فلا يزيد تاثير عمدة لندن فيها على صفر على الشمال؛ فهو لا يجرؤ حتى على مناقشتها مع ساعي مكتب وكيل وزارة الخارجية الذي سيغلق الباب في وجه.

المناظرات الدائرة بين كين الاحمر ومنافسيه المرشحين، بوريس جونسون (وجده الاكبر كان مسلما من الدولة العثمانية) وبريان بادوك في القاعات العامة، وعلى برامج يشترك فيها المستمعون بمكالمات تليفونية، تشير الى عدم رضاء معظم الناخبين على العمدة الاحمر حيث يتفوق جونسون بفارق كبير في استطلاعات الرأي. كين الاحمر متهم باهدار الاموال العامة من ضرائب المواطنين اللندنين على امور لا تهمهم بدلا من انفاقها على تنظيف الشوارع وتحسين التهوية في المترو المزدحم. أنفق ملايين على مهرجان احتفال بالذكرى الـ 50 لثورة فيديل كاسترو، ومظاهرات ضد زيارة الرئيس جورج بوش، ومهرجانات للتضامن مع حركتي حماس وحزب الله ليصفق له الراديكاليون العرب والمتطرفون الاسلاميون رافعين صور صدام حسين وخالد مشعل وكاسترو والظواهري.

حقيقة الامر ان كين الاحمر او اي عمدة آخر، بحكم صلاحيات المنصب، لا يستطع يوما بحث سياسة بريطانيا تجاه فلسطين او لبنان مع الحكومة او بحث ارسال معونة لقطاع غزة مع وزير المالية. وبدلا من الشعارات الجوفاء، لا يقدر على دعم الفلسطينيين باستيراد الفاكهة وزيت الزيتون من غزة والضفة الغربية اذ سيطرده وزير التجارة من مكتبه اذا تجرأ على اضاعة وقته باثارة الامر؛ هذا ان قبل لقاءه اصلا.

فلماذ اذن يثير العمدة الاحمر قضايا عن دعم الفلسطينيين واهل العراق ومناهضة العولمة في لقاءاته مع العرب واثناء زياراته لمساجد المسلمين، طالما انه غير قادر على ان يؤثر قيد انملة في مسار هذه القضايا؟

أليس هذا النفاق بعينه؟

اليس في لعبة كين الاحمر هذه استخفاف بعقول العرب والمسلمين، واحتقار لقدراتهم الذهنية، واعتبارهم مخلوقات غير قادرة على التمييز، بين من يستطيع ان يساعدهم عمليا وبين من «يأخذهم على قد عقلهم» ويسمعهم اغنية تشجى لها اسماعهم؟

حقيقة الامر ان كين الاحمر جمع حوله شرذمة مستشارين تعود صداقته بهم لأيام الصحيفة الشيوعية التي مولها القذافي وصدام، يعملون جاهدين لإبقائه في المنصب بأي ثمن «لحاجة في نفس يعقوب».

نصحه هؤلاء بان دعم جمعيات ومنظمات، راديكالية اسلامية وعربية، اكثرها وهمي لا يمثل احدا من العرب والمسلمين، هو استثمار انتخابي حيث تروج هذه المنظمات الشعارات بين قوم، يعتقد الاحمر ان العاطفة، لا العقل، تحركهم للتصويت على الشعارات وليس على ما يمس حياتهم اليومية.

وبالفعل شهدت مساجد العاصمة توزيع عدد هائل من المنشورات والملصقات بعنوان «مسلمون في سبيل كين... انتخاب ليفنغنستون واجب اسلامي».

وأدى هذا للأسف الى انقسام وصدامات مؤسفة بين المسلمين والعرب في نزاع لم تشهد له لندن مثيلا منذ حرب تحرير الكويت 1991.

انقسم عرب ومسلمو لندن بين اغلبية صامتة ترتاد المساجد للعبادة والهداية الروحانية فقط؛ اغلبية تريد ان تجنب ابناءها رذيلة الانحراف بالانخراط في الجماعات الارهابية التي شوهت صورة الاسلام؛ اغلبية تتماشى مع المنطق الطبيعي للتصويت من اجل الخدمات؛ وبين اقلية عالية الصوت تصرخ باقحام السياسة الخارجية والايدولوجيات الراديكالية في القضايا المحلية وتدفع المسلمين دفعا للتصويت عقائديا يوم الخميس أول مايو.

بعد انكشاف علاقة بعض اصحاب بروباجندا «انتخاب كين واجب اسلامي» بمنظات ارهابية وبمدانين قضائيا في سجون بلدان اسلامية، اسرع كين الاحمر، بانتهازية واضحة، باصدار بيان ينكر معرفته بعرب وراديكاليين اسلاميين نشرت الصحف صورهم على منصات الفتوى بتحريم التصويت لغير العمدة الاحمر.

لكن الصحف كشفت، بالوثائق، انتماءهم لجمعيات تحصل على دعم مالي مباشر من مجلس عمودية لندن تحت إشراف كين الاحمر. تساءلت الصحف في خبث عما اذا كانت الايدولوجية فقط هي دافع الراديكاليين في دعوة المسلمين والعرب للتصويت للعمدة الاحمر أم ابقاء على الدعم؟

لجنة المساواة العرقية التابعة لعمدة لندن (ويحقق البوليس الان مع بعض اعضائها بتهمة افساد المال العام) تمول جمعيات ومنظمات غير منتخبة من احد ولا تمثل الا الشرذمة التي يتكون منها اعضاؤها، واغلبهم انتهازيون يستغلون حساسية الحكومة تجاه المسلمين بسبب ارهاب آفئة ضالة. ولذا فالتصويت للعمدة الاحمر، لمجرد رفعه شعارات عاطفية ليس فقط عارا على العرب بتأكيدهم استهزاءه بعقولهم وقدرتهم على ادراك محدودية نفوذه في هذه الامور فحسب، بل اشتراك في عملية نصب كبرى يمارسها بعض الانتهازيين الذين يدعون تمثيل العرب والمسلمين.