صنعة اللطافة في شرح الدهون الثلاثية

TT

«يا سلام...كم هذا جميل»، ذلك كان تعليقي الفوري بعد قراءتي مقال د.حسن محمد صندقجي عن حكاية «الدهون الثلاثية.. في الجسم والغذاء»، («الشرق الأوسط 20/4/2008).

هذا المقال أخذني من ضيق عريض كنت أتأرجح بين جنباته، لم يكن سببه الوحيد منهج التطفيف، «الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون»، ذلك الذي يتبعه من يزعمون أنهم ضد التمييز الديني، وحين تقترب من مقولاتهم تخزق العين حقيقة أنهم يقولون مالا يفعلون، وأن الحكاية برمتها ليست سوى دعوة مفتوحة من دعواتهم، التي لا تكف عن التربص لإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري الخاصة بالتأكيد على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، والتي تقب بين حين وآخر، إنها دعوة إلى دائرة النار التي يتحلق حولها اللا دينيون من كل حدب وصوب، كلما حانت لهم الفرصة في زحمة أزمات الوطن، يتنادون أن هلموا.. هلموا إلى العبث بمقدراته ومحاولة تغيير ثوابته، التي استقرت في وجدان غالبية الشعب، لتعم فوضى اللا دينيين في صخب من المغالطات وخربشات الخلط وفظاظة القياسات وتلبيسات الباطل ونفثات الأبالسة تأز أزّاً.

كنت أبكي كالنساء على كل ما يضيعه الرجال، حين شدني مقال د. حسن محمد صندقجي عن الدهون الثلاثية، التي لم أفهمها البتة من قبل أن أقرأ شرحه الفني البديع، الذي أخذني كذلك ليزيدني فهما لأبعاد دهون أخرى قاتلة. سبحان الله، هكذا تكون معجزة فن الكتابة، وأسميه «صنعة اللطافة»، معجزة الجذب إلى قراءة ما تتصور أنه صعب أو لا يخصك. معجزة أن تسحبك الأسطر في بشاشة وحنو فتجد أنك قد قرأت صفحة جريدة كاملة وتركتك منتعشا متجددا للصبر والاحتمال، أنت الذي صادفك كثيرا ملل يقتلك في مسافة سطر أو سطرين.

فن الكتابة متعة في ذاته، فإذا اختلفت مع مضمون المكتوب لا يمنعك الاختلاف من الابتهاج بصياغة توددت إلى قلبك وانصرفت عنك باختلافها غير مخاصمة.

ربط الدكتور الفاضل بين المسرح وجسم الإنسان، وقال في تفسيره لهذا الربط: «والأمراض بالأصل مسرحيات متكررة لنفس القصص الدرامية، لها أبطالها المعروفون وممثلوها الثانويون، وتتشكل من فصول متوالية، تتغير فيها الديكورات باختلاف الأعضاء التي تصاب بالمرض. وما هو مطلوب من الطبيب لتشخيص المرض ومتابعة المعالجة هو ملاحظة وفهم المشاهد تلك، كي تتضح القصة وتفهم الحوادث الجارية داخل جسم المريض. وخشبة المسرح، في العرض المتكرر للقصة، تختلف باختلاف الشخص الذي تجري بداخلة الأحداث تلك، وهذا الفهم المسرحي للأحداث لا يختص بالأطباء فقط، بل الواحد منا بحاجة إلى تلك المتابعة في فهمه لعرض كيفية حصول الأمراض. والجزء الأهم بالمتابعة والفهم هو تلك الحبكة الدرامية للمشكلة الجارية».

صدقوني إن كل ما قاله د.حسن محمد صندقجي عن مسرحيات الأمراض وجسم الإنسان ينطبق بحذافيره على مسرحيات الأمراض وجسم الوطن، فهلا سارعنا إلى رؤية المحاذير والأخذ بالوقاية من الغفلة الفاتكة قبل استفحال الدهون التي تسعى للإيقاع بنا صرعى الشرايين المسدودة؟