الشرق الأوسط الملتهب

TT

لا يُمكن أحداً ان يؤكّد ان مؤشرات الحرب غير موجودة. كذلك الامر، لا يُمكن أحداً ان يُؤكّد ان الحرب واقعة اليوم قبل الغد.

وإذا كانت طبيعة الحرب ثابتة ثبات الطبيعة البشريّة، فإن ظروفها متغيّرة حتما، وهي سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة. لذلك، تبدّلت ظروف الحرب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. كما تبدلت اكثر بعد صعود الاسلام الجهاديّ ووقوع كارثة 11 ايلول.

بعد 11 ايلول، وقدوم الولايات المتحدة إلى المنطقة. ظلّت ظروف الحرب هي هي، لكن الذي تبدّل هو تلك الديناميّات الخاصة بمعادلة استعمال العنف، في ظلّ الطبيعة السياسيّة. لكن الاكيد، ان الرغبة الاميركيّة في بناء منطقة مطابقة لمواصفات حلم المانيفيست الاميركي، لم تتحقّّق حتى الآن. ولن تتحقّق في المستقبل ايضا. وهذا امر يعود إلى عدم القدرة البشريّة على السيطرة على ديناميّات الحرب بعد انطلاقها، لان الحرب تُعتبر ميدان المجهول.

وإذا كان إعلان الحرب يتطلّب قرارا من الفريق الاقوى عادة، فإن إنهاء الحرب والانتقال إلى مرحلة السلم، هما عمليّة تتطلّب مشاركة فعّالة من الفريق الاضعف. فما معنى القدرة الاميركيّة غير المسبوقة في التاريخ التي تعجز عن فرض السلم في العراق؟ وما معنى القدرة الاسرائيليّة في ظلّ عجزها عن قهر العزيمة الفلسطينيّة؟ وهذا واقع يتناسب مع القول: «إن العدو مهزوم، فقط عندما يقتنع بذلك». وفي ما عدا ذلك، لن يشعر الاقوى، أو بالأحرى لن يستطيع، قياس نصره.

إن ما يجري في العراق، وما سينتج عنه، إنما هو الذي سيرسم خريطة المنطقة ويحدد قوانين اللعبة. وإذا كان تأثير النتيجة مثلا يُعتبر اقليميّا على بعض الدول، فإن تاثير النتيجة، خاصة إذا خسرت اميركا في المنطقة، سوف يكون عالميّا وبامتياز. وإذا كانت إسرائيل تسقط فقط عندما تخسر أوّل حرب، فإن اميركا ومكانتها العالميّة إنما هما متعلّقتان مباشرة بشكل العراق وصورته، وكيف خرجت منه اميركا: منتصرة؟ مهزومة؟ او ما بين بين؟

وامتدادا من العراق إلى فلسطين مرورا بلبنان، يمكن القول ان لعبة الدومينو قائمة في هذا المحور، فإذا سقطت قطعة لمصلحة فريق ما تبعتها القطع الاخرى. من هنا الصراع الحاد، خاصة على العراق ولبنان، بعدما اصبحت فلسطين ثانويّة.

إن حلّ القضيّة الفلسطينيّة عربيّا، قد يعني تقليم اظافر ايران في المشرق العربي. كما ان النجاح في فصل سورية عن ايران، قد يعني عزل حزب الله عن ايران وفكّ التماس المباشر بين اسرائيل وايران.

وساحات الصراع هي: غزّة والعراق ولبنان. واللاعبون الثانويون هم: سورية والسلطة الفلسطينيّة وإسرائيل. وفي هذا الاطار، تعتبر سورية مركز الثقل الاهم. بكلام آخر، قدرة سورية اليوم على قلب الاوضاع هي محدودة. لكن مفعول عزلها عن ايران، في حال نجاحه، سوف يكون له مفاعيل جيواستراتيجيّة كبيرة على صورة النظام الاقليمي المقبل. وهذا امر قد يؤدّي إلى حلّ القضيّة اللبنانيّة، القضيّة الفلسطينيّة، القضيّة العراقيّة.

إذا كانت قدرة المحلّلين الاستراتيجيّين تبدو محدودة في ما خصّ الحرب المقبلة، فإن واقع المنطقة يعكس الكثير من المؤشرات المُبعثرة التي وإن جُمعت قد تعطي صورة اوضح. فماذا عنها؟ حسب المفكّر الاستراتيجيّ الاميركي ج. فريدمان، المؤشرات هي:

1ـ في شباط 2008، استمرّت اميركا في شراء النفط لمخزونها الاستراتيجيّ رغم بلوغ هذا الاحتياط نسبة جهوزيّة عالية تبلغ الـ97%.

2ـ في الشهر نفسه، اغتيل عماد مغنيّة في دمشق.

3ـ في آذار 2008، اتت البارجة يو.إس.إس كول الاميركيّة إلى قبالة السواحل اللبنانيّة السوريّة.

4ـ في نيسان، اجرت اسرائيل اكبر مناورة مدنيّة ـ دفاعيّة في تاريخها تحت مسمّى «نقطة التحوّل ـ 2».

5ـ ينشر السوريّون 3 فرق (25000 جندي + 500 دبابة) على الحدود اللبنانيّة.

6ـ سبق هذا الامر، زيارة ديك تشيني لسلطنة عُمان

7ـ تبع زيارة تشيني، زيارة وزير الدفاع الاميركي لسلطنة عمان؟

8ـ عودة كلّ من اميركا وإسرائيل للحديث عن غارة دير الزور وإمكان نشر بعض المعلومات عن طبيعة الهدف الذي دمّر.

9ـ في الوقت نفسه، تطلب اميركا من ايران استمرار التفاوض حول العراق. كما تندلع معارك ضدّ تيّار مقتدى الصدر.

a ـ لم يكن خطاب الرئيس الاسد هجوميّا خلال القمة في دمشق.

10ـ وأخيرا وليس آخرا، اتى قرار الرئيس بوش تأجيل سحب بعض القوات الأميركيّة من العراق ليزيد مخاوف كلّ من ايران وسورية.

وهنا قد يسأل المرء، هل ان هذه الليونة السوريّة هي فقط موقتة لاستشراف معالم ما بعد القمة، لتأتي بعدها المرحلة الهجوميّة، خاصة على الساحة اللبنانيّة؟ ام ان سورية استشعرت ان هناك حربا عليها؟ ام انها استشعرت ان التقارب الايراني ـ الاميركي قد اصبح في مرحلة متقدّمة؟ وإلا فما معنى ضرب مقتدى الصدر، او تحجيمه، وهو الذي يعتبر ورقة ضغط ايرانيّة مهمّة؟ فهل سورية تنتظر اليوم الجزرة كي تعطي وتسهّل؟ ام ان عليها ان تعطي قبل الوعد؟

ولكن ماذا عن اتجاهات الحرب المُتخيّلة؟

في لبنان، لا يمكن لحزب الله ان يذهب إلى الحرب بهذه السرعة. ولا يمكنه ان يأخذ لبنان والشيعة خاصة إلى حرب كارثيّة. ويعرف الحزب ان الحرب الاسرائيليّة المقبلة سوف تكون جويّة وبريّة معا، وهذا يعني دمارا شاملا للجنوب، وعدم امكان عودة اهله اليه.

في اي حال، ان الحرب على حزب الله تتعلّق مباشرة بطريقة ردّه على اغتيال مغنيّة. هذا اذا اعتبرنا ان قرار الردّ هو 100% بيده، وان قرار الحرب هو ايضا بيده، وهذا امر قابل للبحث.

ولا يمكن لسوريا خوض حرب تقليديّة مع اسرائيل. كما لا يمكنها تقليد تجربة حزب الله. وهنا، قد تبدو عمليّة نشر الفرق على الحدود اللبنانيّة وكأنها الردّ الطبيعي والممكن في حدّه الادنى، اذ لا يمكن لسورية ان تخوض حربا خارج حدودها الطبيعيّة.

فهل استشعرت سورية ان هناك هجوما متعدّد الجبهات عليها؟ فهناك المحكمة الدوليّة. وهناك العزلتان العربيّة والدوليّة. وهناك القلاقل الداخليّة (اغتيال مغنيّة). وهنا قد يسأل المرء: هل هناك قرار فعليّ على المستوى الاميركي يهدف إلى اسقاط النظام؟ وإذا صدق هذا التحليل، فهل ستذهب سورية إلى الحرب استباقيّا لقلب الطاولة؟

أما غزة فقد اصبحت ثانويّة كما قلنا، لذا قد تشكّل الحرب عليها اليوم المرحلة الانتقاليّة لحرب اكبر. وقد تكون غزّة المكان الطبيعي لتوجه اسرائيل رسائل إلى كل من يعنيه الامر.

وبالنسبة الى إيران لا يمكن تأكيد الحرب أو نفيها، إلا بمقدار ما نعرف عن تطوّر العلاقات الاميركيّة ـ الايرانيّة السريّة بالطبع.

كذلك، لا يمكن مهاجمة ايران قبل ترتيب الوضع في العراق. وهنا، يجب التمييز بين الموقف الاميركي من ايران النوويّة، وبين الموقف الاسرائيلي، اذ لا يمكن لإسرائيل التعايش مع ايران مع سلاح نوويّ، وذلك بعكس اميركا.

ولا ننسى أن اسرائيل لن تذهب إلى ايّ حرب دون موافقة أميركيّة، كما أنها غير قادرة على قلب النظام الذي ارساه القرار 1701 في جنوب لبنان. وهي حتما لا تستطيع القتال على جبهتي غزّة وجنوب لبنان.

وهنا يجدر السؤال: هل الحروب الكبرى المباشرة ممكنة؟ بالطبع، لكن المنطق يقول انه من الافضل احتواء ايران بدل الحرب عليها، وذلك عبر نزع اوراق قوّتها منها. وكذلك من الافضل عزل حزب الله بدل الحرب عليه، وذلك عبر لبننته كلّيا. ومن الافضل ايضا عزل سورية عن ايران بدل الحرب عليها.

وهنا تتظهّر محوريّة سورية في هذه اللعبة. لكنه ليس من المؤكد ان تقبض سورية اثمانا لهذه المحوريّة.

حتى الآن، لقد اعتبرنا ان احتمالات الحرب هي من الاتجاه الاميركي ـ الاسرائيلي. فهل خطر ببال احد ان تكون الحرب من الاتجاه الايراني ـ السوري؟

* عميد سابق

في الجيش اللبناني وباحث أكاديمي