بيان منسوخ في قمة الكويت

TT

عقد مؤتمران في الكويت الأسبوع الماضي، الأول مكرر للمرة الثالثة، لأنه يخلص إلى بيان ختامي واحد يصاغ بعبارات مختلفة في كل مرة، لكنه لا يخرج في جوهره عن البيانات التي سبقته. والثاني كان مؤتمرا موازيا حول لبنان، حضرته دول الخليج ومصر ولبنان وأمريكا وألمانيا وفرنسا وآخرون: «ضاعت الحسبة» في عدد المدعوين كما قال لي وزير خارجية مشارك في المؤتمر، لكن سوريا وإيران لم تدعيا إليه!

نجح مؤتمر الكويت في التوصل لما توصلت إليه المؤتمرات التي سبقته: تأكيد على وحدة العراق، واستقرار العراق، وتعايش الطوائف في العراق، وتقديم كافة أنواع الدعم للعراق. أي أن البيان الختامي نسخة شبه كربونية ـ في الجوهر ـ من البيان الذي خرج في المؤتمرين السابقين.

رئيس الوزراء العراقي جواد المالكي طالب بإسقاط ديون العراق، وبفتح سفارات عربية في بغداد. المطالب العراقية تساندها سياسة أمريكية تصر على إسقاط ديون العراق وتعويضات حروب صدام عنه. المالكي ـ سامحه الله ـ لا يريد أن يفرق بين الديون والتعويضات، ويحسب أن المسألة لا تتطلب أكثر من طلب أمريكي «ضاغط» كي تسقط دول الخليج ديونها، وتوقف المطالبة بتعويضاتها وتبادر إلى فتح سفاراتها. بالنسبة للكويت، المسألة ـ يا دولة الرئيس ـ أعقد من ذلك بكثير، فالديون شيء، والعقوبات شيء آخر: العقوبات فرضت بقرارات لمجلس الأمن إثر العدوان العراقي على الكويت عام 1990، ولا يرفعها (العقوبات) إلا قرار آخر من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والتي مقرها نيويورك وليس الكويت. بينما الديون قدمت للعراق بموافقة مجلس الأمة الكويتي، وبالتالي هي تحتاج إلى موافقة مجلس الأمة الكويتي لإسقاطها من عدمه، ومثلكم ـ يا دولة الرئيس المنتخب ديمقراطيا ـ يفهم معنى أن تكون هناك قرارات تتطلب موافقة الشعب عن طريق ممثليه في البرلمان، أليس كذلك؟

وتأتي مسألة فتح السفارات التي ناضل ولا يزال من أجلها السيد المالكي مدعوما بضغط أمريكي عبر عن الضيق منه وزير الخارجية الكويتي الشيخ محمد الصباح، بأن الدول العربية ليست بحاجة إلى أجنبي يدلها على الطريق إلى بغداد، وكرر سبب التأني في فتح السفارات العربية في بغداد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بلغة واقعية، مفادها أن الحالة الأمنية هي السبب الرئيسي في عدم فتح سفارات خليجية في بغداد، وبأن هذا الموقف لا يعكس موقفا سياسيا تجاه الحكومة العراقية. إلا أن الأكيد أن التقارب والدعم للحكومة العراقية الحالية التي صارت ذات لون وطعم ومزاج وهوى واحد ـ وبالذات من قبل دول الخليج ـ يعني مباركة لهذا الاستفراد الطائفي في العراق، على حساب الطوائف والفئات الأخرى، وليس المقصود الفئات السنية فقط، بل حتى الشيعية التي تتقاتل مع حكومة المالكي الشيعية أيضا.

ولا أقصد الأكراد الذين باتوا ينظرون من جبال كردستان نحو باقي العراق بنظرة «فخار يكسر بعضه». فالحالة الكردية مستقلة عن باقي العراق حتى نفطيا. صرح وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني الأسبوع الماضي أن العقود التي وقعتها حكومة كردستان مع الشركات النفطية الأجنبية باطلة. وتصريح وزير النفط العراقي هذا يختزل بوضوح فوضوية العلاقة بين الحكومة العراقية المركزية ببغداد، وبين أكثر الأقاليم استقرارا ـ كردستان. هذا التناقض في المواقف كان واضحا في تصريحات وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري وبين علي الدباغ الناطق الرسمي باسم حكومة المالكي، والاثنان سمثلان حكومة المالكي أيضا.

المصاعب التي تواجه حكومة السيد المالكي كثيرة، ولا أعتقد أن فتح السفارات الخليجية ببغداد، ولا حتى إسقاط الديون، سوف ينهيان الأزمة العراقية ـ العراقية.

المؤتمر «الهامشي» الذي عقد حول لبنان تزامن مع مؤتمر العراق! فلئن نجح المؤتمرون حول العراق، فقد نجحوا حول لبنان!!