سورية وإسرائيل.. مفارقة وخطورة

TT

نحن أمام مفارقة سياسية غريبة في المنطقة، فهناك غزل إسرائيلي ـ سوري على أمل الوصول لاتفاق سلام، ثمنه كبير للطرفين، كلاهما يريد منه نصرا يخرجه من مواجهة عسكرية تبدو حتمية.

دمشق تريد استعادة الجولان والخروج من العزلة العربية والدولية، ليتحقق لها نصر تستثمره داخليا وخارجيا. خصوصا أن السوريين وضعوا بيضهم في سلة واحدة، وهو التحالف مع إيران، والآن ليس لهم خيار إلا تحقيق السلام مع إسرائيل واستعادة الجولان للالتفات الى خصومهم. وإن لم يتحقق السلام، فعلى الأقل يكونون قد استفادوا من تمرير الوقت المتبقي حتى خروج إدارة بوش.

إسرائيل بدورها تريد أيضا الخروج من مأزق مواجهة عسكرية حتمية تلوح لها في الأفق. فللمرة الأولى، وفي حالة غير مسبوقة، تجد إسرائيل نفسها محاطة بإيران من ثلاث جهات. هناك جبهة جنوب لبنان، حيث حزب الله، وجبهة غزة، حيث «حماس» حليفة لطهران، وأخيرا جبهة سورية، خصوصا أن الإيرانيين ذهبوا بعيدا في الاستعدادات على الأراضي السورية، ويكفي التذكير بمحطات التجسس الإيرانية المنصوبة في سورية للتجسس على إسرائيل.

وبالطبع كل هذه الجبهات لا تعني أن إيران ستخوض حربا مباشرة مع إسرائيل، بل ان هذه الاستعدادات هي من أجل تجهيز أذرعة إيرانية في حال ضربت إيران من قبل أميركا أو إسرائيل، وإن لم تقع الحرب فتتحول تلك الاستعدادات إلى واقع على الأرض يمثل امتدادا للتوغل الإيراني في الدول العربية على غرار دولة حزب الله في لبنان.

وملخص الحديث هو أن إسرائيل تريد فك الارتباط السوري ـ الإيراني، ولو كان الثمن إعادة الجولان، أو استدراج إيران إلى الخطأ المنتظر، لتصبح الضربة العسكرية على ايران حتمية. بينما سورية تريد تحقيق أحد المكسبين وهو استعادة الجولان، أو تفادي الوقت المتبقي لجورج بوش.

السوريون بدورهم غير قادرين على القيام بدورهم كرئيس للقمة العربية، بسب تجاهلهم لعلاقاتهم المجمدة مع الدول العربية، وغير راغبين في التنازل عن لبنان الآن، لأن حزب الله ورقة تفاوضية مهمة في ملف الجولان.

المفارقة في كل ذلك أن من يحاول تعطيل التقارب السوري ـ الإسرائيلي حتى الآن ليس إيران أو حزب الله أو حماس، بل أميركا. فمن الواضح أن واشنطن غير متحمسة لسلام سوري ـ إسرائيلي الآن، فواشنطن تريد سلاما حول القضية الفلسطينية، لا مكافأة السوريين وتيارهم في المنطقة. وإسرائيل ترى أنها بالتفاوض مع السوريين تتخلص من الضغط الأميركي حول القضية الفلسطينية، حتى خروج بوش.

المشكلة في كل ما سبق هي أن فرص الحرب في المنطقة باتت أكبر من فرص السلام، فرفع سقف التوقعات بشكل كبير حول إمكانية عقد سلام إسرائيلي ـ سوري يعد أمرا خطيرا، خصوصا أن هناك فتورا أميركيا حول هذا السلام. وبالتالي نحن أمام تسخين يسبق الصيف، ولا نعلم إلى أين سيقود.. فهل تؤدي محاولة جميع الأطراف الهروب السريع إلى الأمام، إلى اصطدام متفجر، أم إلى حلول؟

نحن أمام تكوين حدث كبير، وخطر.

[email protected]