الكويت والديون العراقية

TT

عندما كتبت معارضا إلحاح العراق فتح السفارات العربية، وشطب الديون العربية المستحقة عليه، أثرت حفيظة عدد من المسؤولين العراقيين. بالنسبة لهم الدبلوماسية العربية في عاصمتهم يعني التضامن معهم ضد الإرهاب، ويعزز ثقة الجميع فيهم. وحتى لا أهدر المساحة في تكرار مرافعتي، أرى أن الحكومة العراقية تبالغ في أهمية السفارات العربية، لأن المعركة في داخل العراق نفسه لا تفيد فيها سفارات.

أيضا، أعرف ان سبب امتناع الدبلوماسية العربية ليس انتقاصا، او تعبيرا عن موقف سياسي، بل مشكلة أمنية. فهي لا تحتمل فكرة أن يخطف دبلوماسيوها، ولا يريدون أن يزيدوا أعباء أجهزته الأمنية بحماية سفاراتهم وموظفيهم. نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي قال لي، يا أخي دول مثل فنلندا وهولندا والدانمرك خاطرت فأرسلت دبلوماسييها، فيكف يساعدنا الغرباء ويتجاهلنا الأشقاء؟ حجة جيدة لكن «هاونات» ميليشيا جيش المهدي قبل اسبوعين خوفت كل السفارات، ومن لا سفارة له هناك.

الحقيقة لم أسمع بدبلوماسي واحد يرضى بالذهاب إلى بغداد، ربما باستثناء الصديق الأمير محمد بن فيصل بن تركي، مسؤول الادارة الأوروبية في الخارجية السعودية، المتحمس للسفر، لكن وظيفته مختلفة، وثانيا سبق أن أبلى في الماضي بما فيه الكفاية في جنوب لبنان ومع منظمة التحرير.

أما الشق الثاني، وهو شطب الديون، فقد عارضته معتقدا أن الدول العربية صاحبة الديون لا تقوم بتحصيلها، بل تسجلها في كتبها كضمانات مستقبلية، وستلغى لاحقا. إنما فوجئت بما كشفه لي مسؤول عراقي أن مليارات اقتطعت من المداخيل العراقية لتسديد تعويضات الكويت من عهد صدام. نحو خمسة مليارات دولار دفعها العراقيون حتى الآن في قائمة بنحو عشرين مليار دولار. كما أن السعودية تسجل الفوائد على الديون من دون أن تطالب بتحصيلها.

ومع انني مع احترام الالتزامات الدولية، إلا أن موقف الكويت مبالغ فيه، وهنا أتحدث سياسيا لا قانونيا. فالذي يحكم العراق اليوم ليس صدام، الذي ارتكب جريمة الغزو، بل ضحاياه. وقد دفع العراقيون الكثير بسبب أفعاله على مدى ثلاثة عقود، أكثر مما أصاب الكويتيين الذين كانوا محظوظين بجيرة دول مثل السعودية، واستعداد الأميركيين للدفاع عنهم. زال كابوس الاحتلال بأقل قدر من الخسائر، فكان احتلالا قصيرا، وعودة مظفرة للكويت كدولة. كما أن صدام خدم الكويت، بناء على قاعدة رب ضارة نافعة، فقد دفع الأمم المتحدة لضمان مستقبل البلاد التي وضعت حدا لأي مغامر يحلم بدكان الذهب الكويتي المجاور.

إذاً لماذا الإصرار على تغريم العراقيين في وقت محنتهم ليسددوا كل التعويضات؟

ربما تريد الكويت تلقين الجميع، لا العراق بعينه، درسا فلا يكرروا الجريمة بحق أي دولة، لكن الدرس مجهول اليوم لأن الكويت تستقطع أموالها مباشرة من مبيعات النفط بعيدا عن كاميرات التصوير.

وإذا كانت الكويت تصر على حقوقها «مبدأيا»، فإن هناك وسائل بديلة، مثل أن تنتهج المقايضة. بإمكانها «التبرع» بهذه الأموال لما تراه، أو من تراه، مستحقا في العراق، ويخدم مصالح الكويت هناك، فترضي الكويتيين ولا تضر العراقيين.

المسألة ليست رأفة بالعراقيين، بل ايضا تنبيها للكويت بأنها أكثر حاجة الى بناء الثقة مع جارها، فهي تبدو كمن يحلب العراقيين في وقت المخاض. كما أن تغريم العراقيين يفتح الباب للآخرين، مثل إيران التي صارت تطالب بنحو مائة مليار دولار عن الخسائر التي سببها صدام بحربه عليها. المواقف الحالية تدفع العراق الى نهاية كارثية عليه وعلى الجميع؟

[email protected]