بغير ذلك

TT

تحيرني ظاهرة في العالم العربي لا وجود لها في أي تجمع دولي آخر. لا أحد في العالم العربي (الوطن العربي الكبير) يتحدث عما عليه هو آن يفعل. الجميع يتحدثون عما يجب على الآخرين أن يفعلوا. كيف يجب أن يكونوا. ما هي المثل التي يجب أن يتخذوها لأنفسهم. ما هي النظم الأمثل لمجتمعاتهم.

وإذا أصغيت الى سياسيي الوطن العربي الكبير وقرأت كُتَّابه وسمعت مصلحيه الاجتماعيين، تجد أننا بلاد لا أخطاء فيها ولا هموم ولا مشاكل ولا أزمات ولا خلافات. كل بلد عربي يريد أن يصلح البلد العربي الآخر على أساس أنه بلغ السدرة ولم يعد ينقص سوى أن يقبل العالم أجمع يديه.

ثمة جرأة رهيبة في معالجة مشاكل الآخرين. لا فقر عندنا ولا تخلف ولا انهيارات عائلية. كل شيء عند سوانا. أفرطنا في الكذب حتى لم يعد هناك حقيقة ومثل المخدرين صدقنا واستسلمنا وجعلنا الكذب هو الواقع وهو الحقيقة.

يضحك الزعماء ضحكا عاليا عندما يسخر أحدهم من التردي السياسي. ويعتبر هو أن المسؤولية على الجميع إلا هو. ومنذ أن تعودنا العنين ضد الاستعمار نرفض أن نتذكر انه ذهب وأننا اليوم أنظمة وطنية قومية حرة. أحرار في شتم الغير وفي محاربة الغير. وفي الهزء من الغير وكل شيء عندنا مقدس. مأمون. مضمون. والسعادة التامة تعم شعوبنا: في التقدم. في النمو. في الأمان. في الضمان الصحي. خصوصا في التعليم. وكل كلمة نقد هي «تحطيم نفسي». لماذا؟ لأن النقد ينقل المسؤولية من موقعها المزور والمزيف الى أكتافنا. ولأن النقد يفضحنا أمام شعوبنا وأولادنا ولأنه يمكن أن يؤدي الى تأمل صادق وعلمي وموضوعي في مدى التقهقر الاجتماعي والعلمي والتربوي الذي نصر عليه. الممثل بيل غوسبي يتنقل من مدينة أميركية الى أخرى ويقول لأبناء بشرته: كفوا عن الندب عما فعله بنا الرجل الأبيض. تعالوا ننظر الى أنفسنا. الى عاقاتنا. الى نواقصنا. الى تقصيرنا. الى مسؤوليتنا. بغير ذلك لا يمكن أن ننتصر على الرجل الأبيض ولا أن ننافسه ولا أن نغير شيئا من فقرنا وتأخرنا. تعلموا كيف تتماسك العائلات. المؤتمرات لا تحل شيئا والمهرجانات لا تحل شيئا. لا يحل شيئا سوى المسؤولية. بلوغ سن الرشد. بلوغ سن العلم. بلوغ سن النمو والتقدم. بغير ذلك سوف تظلون في المستنقع وتندبون.