محاكمة طارق عزيز

TT

كان طارق عزيز، دون أي شك، جزءا من نظام صدام حسين. الرجل الذي ترك الاعدادية «للقيام بواجب قتل عبد الكريم قاسم» كان في حاجة الى الوجوه الثقافية في الحزب، وقد بحث عنهم في الجامعات وفي الصحافة وبين الشعراء. وكان سفراؤه مجموعة من كبار أساتذة جامعة بغداد في القانون والآداب الانكليزية (عزيز ومحمد الصحاف) والفيزياء، مع انه وضع الجامعة في إمرة وزير التصنيع العلمي علي المجيد، لاحقاً صهره القتيل. غير أن طارق عزيز، كوزير للخارجية ثم نائب لرئيس الوزراء، ظل الوجه الدولي الأول للنظام. هو الذي يسافر إلى الأمم المتحدة ليدافع بلغة انكليزية فصيحة عن قضايا خاسرة. وهو الذي يسافر إلى موسكو عبر الثلوج الإيرانية. وهو الذي يأتمنه صدام حسين على حمل الرسائل إلى الحسن الثاني.

لكن في ذروة القرب من الرئيس العراقي نقل صدام نجل طارق عزيز البكر، زياد، من منزل نائب رئيس الوزراء إلى السجن. أراد أن يبعث إلى العراقيين رسالة واضحة وهي أن لا كبير في دولته الا هو. وانتظر ان يدخل عليه طارق عزيز ذات يوم يتوسله الافراج عن ابنه. ومضت شهور وطارق عزيز يدخل مجلس الوزراء ويعلن الولاء للسيد الرئيس ويتلقى منه مؤنته من السيجار الهافاني، دون أن يأتي على ذكر ابنه. وفي النهاية اطلق الابن والأب لا يزال يتظاهر بأنه لم يعرف بسجن ابنه.

كان طارق عزيز من «الدائرة الخارجية» في النظام بكل معانيها. سياسة ونفوذا. وكان ينفذ سياسات رئيسه أو ينظر لها أو يبررها بفصاحته ويدافع عنها بصدق. لكن الجميع يعرفون، خصوصا بعض وزراء خارجية المرحلة، انه كان ضد غزو الكويت ويعتبر ذلك خطأ فادحا لن يمر. لكنه ايده في العلن وهو مسؤول عن ذلك. ولم يحاول منذ سقوط النظام ان يتبرأ من شيء أو أن يساوم أو أن يعقد صفقة ما، برغم ان الأمر كان سهلاً قبل اعدام صدام.

بعد 5 سنوات على سقوط النظام واعتقال طارق عزيز تبدأ محاكمته يوم الثلثاء بتهمة «التورط في اعدام 40 تاجرا عام 1992». رجل اعتقل صدام ابنه بتهمة «الفساد» يحاكم بتهمة اعدام التجار. اليست هناك تهم أخرى يمكن ان توجه الى طارق عزيز؟ لقد كان خلال ربع قرن واجهة النظام الإعلامية والديبلوماسية، ألا يمكن العثور على خطأ أو مجموعة أخطاء يحاكم بموجبها بدلا من إقحامه في مسألة جنائية لا يمكن أن يجعله موقعه قريبا منها، حتى لو تأمن لذلك أكبر عدد ممكن من الشهود في محاكمة تلفزيونية، مخرجها متخلف وألوانها سيئة ونجاحها الوحيد هو في تحويل العتاة إلى ضحايا.