حيرة مع المتهمين بالإرهاب

TT

صار المسجونون بتهم الارهاب نكدا مؤرقا على الدول التي تسجنهم في الغرب أو الشرق، فإن أبقتهم حكوماتهم في السجون دون محاكمة فهو وضع لا إنساني وإشكال أخلاقي ومعضلة قانونية، كما أنه أيضا جلب لانتقادات منظمات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية وبياناتها وإلحاحاتها، وإن قدمتهم للمحاكمة فمن المؤكد بسبب عدم ثبوت الإدانة أن ينفذ بعض المتهمين بالإرهاب بجلده من السجن وربما كانوا فعلا بريئين، وربما شكلوا في نظر الأجهزة الأمنية الحكومية خطرا محتملا أو قنابل موقوتة قابلة للانفجار أية لحظة.

الحكومة البريطانية واجهت هذا الموقف المربك فتعقد موقفها، فقد قررت أن تقدم للمحاكمة أحد العناصر البارزة النشطة في تنظيم القاعدة والمشتبه في تورطه بأنشطة إرهابية، فكسب هذا المتهم معركة قضائية ضد الحكومة البريطانية، كما أشارت إلى ذلك مؤخرا صحيفة التايمز اللندنية، هذا السجين من الناشطين الأساسيين في القاعدة ويقوم بدور همزة الوصل، كما تقول الحكومة البريطانية، بين متشددين في بريطانيا وقيادة القاعدة التي تختبئ في أفغانستان أو باكستان.

أما الحكومة الأمريكية فقد تفادت بعناد واضح وبصورة لا إنسانية الإشكال القانوني فحجزت معتقليها المتهمين بالإرهاب خارج حدودها الإقليمية في معتقلها الشهير سيئ الصيت والذكر (جوانتنامو)، ومع ذلك فقد أزعجتها الاستنكارات الداخلية والاستهجانات الخارجية فأطلقت سراح الكثيرين الذين فعلا لم يثبت خلال التحقيق أي مستمسك عليهم وإلا لما فرطت بإطلاقهم، وقررت الحكومة الأمريكية هذه الأيام ولأول مرة أن توجه اتهامات رسمية إلى ستة من المعتقلين في (جوانتنامو) بضلوعهم في التخطيط لهجمات 11/9 من ضمنهم خالد شيخ ورمزي الشيبة وآخرين، وأولى العقبات التي ستواجهها الحكومة الأمريكية، أن الاعتراف المنسوب لخالد شيخ بالتخطيط لهجمات سبتمر سيطعن فيها المحامون بسبب اعتراف وكالة الاستخبارات الامريكية باستخدام ما يعرف بـ«اسلوب الاغراق» خلال التحقيق معه ومع غيره من المعتقلين.

بالنسبة لبعض الحكومات العربية فالوضع مختلف، لأنها تستطيع بسهولة أن تتجاوز أو تتجاهل الأنظمة والقوانين في حق المسجونين في قضايا الإرهاب متذرعة بالأحكام العرفية أوالخوف من أن اطلاق سراحهم هو إطلاق لسراح أفكارهم المتشددة ومخططاتهم الإرهابية، لكن في تصوري أن استدامة سجن هؤلاء بدون توجيه اتهامات أو تقديمهم لمحاكمات عادلة قد يساهم في تفاقم المشكلة مع الإرهاب، إذ أن السجون الأمنية في أغلب الدول العربية يختلط فيها بسبب ضيقها أو إهمالها من عنده لوثة بسيطة من الفكر المتشدد أو مارس مراهقة سياسية، مع المتمرس في الإرهاب حتى النخاع وهنا مكمن الخطر، إذ أن السجون بهذا الطريقة ستكون أشبه بخلايا مدعومة حكوميا لتجنيد وتأهيل إرهابيين حقيقيين ينتظرون لحظة إطلاقهم، هذا علاوة على أن السجن والمكث الطويل فيه عنصر مهم في السيرة الذاتية لأي (مناضل!!) يريد تسويق فكره وبث سمومه.

المشكلة الأخرى أن عددا من الدول العربية التي تحتفظ بهؤلاء المسجونين بتهمة الإرهاب دون توجيه تهم أو محاكمات لا تملك تصورا واضحا عن المدد التي سيمكثها هؤلاء المسجونين، ولا عن الخطر الذي تتركه سنوات السجن الطويلة عليهم حين يطلق سراحهم، والواقع يفرض ضرورة فرز هؤلاء المسجونين وزنزاناتهم على حسب مستوى خطورتهم ومن ثم تقديم الكل للمحاكمة وسجن من يستحق السجن، واطلاق من لم تثبت عليه الإدانة، ولا يجوز أن يؤخذ السجن وسنواته الطوال العجاف كرادع وقائي لأن الضرر المحتمل هنا أكبر من المصلحة المجلوبة.

[email protected]