عود إلى النكتة السياسية

TT

لا أحد في العالم يجيد فن مقاطعة المتكلم أحسن من المثقفين العراقيين. وهكذا انقطعت هذه السلسلة عن السخرية السياسية بأحداث العراق. وآن لي الآن ان استأنف المسيرة وأنتقل من النكتة السوفيتية الى النكتة النازية. وبالطبع المقصود فيها وما أعنيه منها في الواقع هو النكتة المعادية للنازية.

شاع هذا النوع من التنكيت والتبكيت في عهد سيطرة النازيين على ألمانيا وعموم اوربا في الثلاثينات والاربعينات. استعمل الاوربيون النكتة النازية كسلاح من أسلحة المقاومة اللاعنفية ضد الهيمنة الهتلرية على مصيرهم.

كان الألمان هم الذين صوتوا للحزب النازي وأوصلوا هتلر للحكم. فجاءت نكاتهم في هذه المرحلة الهنية ايجابية بالنسبة لهتلر وأعوانه. وكان الكثير منها يشيد بقوته وجبروته. قالوا إن عشيقة هتلر، ايفا براون جلست مع صويحباتها. راحت كل واحدة منهن تتباهى بعشاقها. فقالت واحدة ان غورنغ أعطاها هذه الحلقة الماسية على اصبعها. قالت الاخرى وهذه الحلقة الثمينة اخذتها من غوبلز، وهكذا حتى جاء دور ايفا براون. سألوها ماذا أعطاك هتلر؟ اشارت الى عينيها وقالت، لقد أعطاني هاتين الحلقتين الداكنتين تحت عيني!

ولكن الألمان سرعان ما اكتشفوا خطأهم بعد هزائمه المتكررة في الحرب وما ألقاهم فيه من جحيم ونكبات وقمع. وعندئذ انبرى ظرفاؤهم للنيل منه في إطار السخرية والتنكيت فشاع ما يعرف بالنكتة النازية.

من اول الكتب التي نشرت بعد الحرب مباشرة كان كتابا لمجموعة النكات التي أشاعها الألمان ضد الحكم النازي.

روت امرأة ان هتلر وغورنغ صعدا الى اعلى برج راديو برلين الشامخ فوق العاصمة الالمانية. نظر هتلر من علياه الى المدينة تحته فقال متسائلا، «آه، يا ليتني اعرف ماذا استطيع من خدمة اخرى اقدمها للشعب الألماني؟» فأجابه غورنغ: «اقفز من قمة هذا البرج».

ما ان سمعت الغستابو بما قالته تلك المرأة حتى ألقوا القبض عليها وأعدموها رميا بالرصاص. وهو ما اعتاد على فعله سائر الحكام الطغاة من ستالين الى صدام حسين. عجيب كيف يرتعدون ذعرا من مجرد حدوتة صغيرة!

حكموا بالإعدام على منكت آخر قال ان هتلر وغورنغ وغوبلز وهملر كانوا في سفينة في عرض بحر البلطيق عندما هبت عليهم عاصفة عاتية أغرقت السفينة وكل من فيها باستثناء واحد. هل تعرف من الذي نجا؟ أجابه الآخر فقال: «نعم. ألمانيا». حكموا كذلك على اثنين آخرين بالإعدام، ربما ايضا لرواية نكتة مشابهة. قال أحدهما للآخر، سأسأل الضابط ان يعيرني منديلا أشده على عيني قبل إطلاق الرصاص علينا. فقال له زميله، «اوه، لا تزعج حضرة الضابط بهذه المكرمة».