العودة إلى الستينات

TT

على امتداد التاريخ الأميركي، انفرد الحزب الديمقراطي بسمة سلبية تركزت في أنه يضم بين جنباته بعض أكبر الفرق والانقسامات داخل الولايات المتحدة أكثر من أي مؤسسة أخرى. ويكشف التاريخ أن «الديمقراطيين الجاكسونيين» في بداية القرن التاسع عشر انقسموا إلى فرق متناحرة بسبب اختلافهم حول تناول قضية العبودية.

واستمرت الانقسامات التي ظهرت في الستينات على امتداد عقود، خاصة أن لب الاستراتيجية الانتخابية للحزب الجمهوري منذ عام 1968 تمثل في رسم صورة الديمقراطيين على أنهم أفراد حريصون على أي صورة من صور السلام ومشكوك في وطنيتهم، وأيضا باعتبارهم أعضاء نخبة مثقفة لا تأبه بأمر (إن لم تكن معادية) الطبقة العاملة من البيض.

ومع اقتراب عام 2008، كانت كل الدلائل أمام الديمقراطيين توحي بأن الانتخابات التمهيدية هذا العام ستكون أكثر سلاسة، خاصة أن الكوارث المتلاحقة التي شهدتها فترة رئاسة «جورج بوش» وحدت صفوف الديمقراطيين وراء ضرورة اتباع أجندة اقتصادية أكثر نشاطًا وذات طابع شعبي أكبر على الصعيد الداخلي، وسياسة خارجية أكثر تعددية وحذرا.

ومن ناحية البرامج، ما تزال هذه الوحدة قائمة، لكن مع خروج الحزب مترنحا من الانتخابات التمهيدية بولاية بنسلفانيا، يجد نفسه من جديد مدفوعا نحو انقسامات الستينات. والآن، تشن هيلاري كلينتون هجمات ضد باراك أوباما تركز على اتهامه بأنه سيبدي ضعفا عند التعامل مع قضايا الدفاع القومي. ورغم ضآلة الانقسامات بين كلينتون وأوباما في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، تأتي هجمات كلينتون كجزء من هجوم أوسع ضد مدى استحقاق أوباما للثقة من جانب كل من كلينتون والجمهوريين. ويرمي هذا الهجوم إلى وضع أوباما في جانب النخبويين المتمردين في الستينات.

وقد سبق أن شهدنا هذه الظاهرة التي تقوم على إضفاء صبغة الستينات على السباقات الانتخابية، حيث تعرض بيل كلينتون للهجوم بسبب معارضته حرب فيتنام، بينما تم اتهام جون كيري بأنه لا يستحق الميداليات التي نالها عن أدائه بحرب فيتنام.

وربما بدا للبعض أن أوباما يتمتع بالحصانة من هذه الظاهرة نظرا لأنه كان في التاسعة من عمره عندما انتهى العقد، لكن اتضح أن حياته كان بها أفراد كبار خلال الستينات. من ناحيتها، تصر كلينتون على اللجوء إلى هذا الأسلوب الخاص بإضفاء روح الستينات على التنافس، رغم أنه سبق أن عرض حياة زوجها السياسية للخطر. ومع أن خطايا الستينات لا تجتذب اهتمام الجيل الأصغر سنا من الناخبين، إلا أنها ما تزال تتميز بنفوذ قوي على الجيل الأكبر.

على الجانب الآخر، تتركز استراتيجية الحزب الجمهوري هذا العام، والتي تساعد فيها كلينتون، حول الإبقاء على الانقسامات في صفوف الديمقراطيين، على أمل أن يشعر الناخبون البيض المنتمون إلى الطبقتين العاملة والوسطى بالاغتراب عن أوباما (الذي ما زال المرشح المحتمل) لأسباب تتعلق بالثقافة والعرق، مما يدفعهم للتصويت لصالح ماكين. بينما تقوم استراتيجية الديمقراطيين على تذكير الناخبين بأن هناك قضايا كبرى في هذه الانتخابات، مثل الحرب والتهميش الاقتصادي للطبقة الوسطى وتراجع قوة الاقتصاد الأميركي، يتخذ أوباما بشأنها توجهات أكثر عقلانية عن ماكين.

* خدمة «واشنطن بوست»

ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»