حياكة

TT

ربيع علم الدين كاتب أمريكي من أصول لبنانية صدرت له رواية باللغة الانجليزية مؤخرا بعنوان «حكواتي»، وهي تحكي مجموعة من الروايات على لسان أسرة وهمية اسمها «الخراط» وهو اسم مناسب جدا لنوعية الخيال غير الطبيعي الذي تلجأ إليه هذه الأسرة، وتحديدا على لسان ابنها الأصغر «أسامة»، «فالخرط» هو نوع من الكذب أو السرح كما يحلو للبعض وصفه. وكلمة حكواتي كانت توصف الرجل الذي يغزل القصص بخياله لامتاع الناس في المجالس والمقاهي العامة، كل مجلس بحسب نوعية الحضور وعدده وأشكاله، والغزل هو نوع من أنواع الحياكة للشيء أو كما يوصف اليوم في الاعلام السياسي بالـ«Spin» ولا يوجد حياكة (وهي كلمة مستخدمة في الحكي أيضا !) سياسية أكثر وضوحا مما يحدث على الساحة العراقية اليوم، فكم التبريرات المهول (ما بين الممكن تصديقه وما بين المستحيل) يجعل المتابع في حيرة وقلق كبيرين. ولعل إحدى النظريات المفسرة لأحداث جيش المهدي بقيادة الزعيم الديني العراقي الشاب مقتدى الصدر في مواجهة القوات الحكومية بقيادة رئيس الوزراء نوري المالكي تقع في نفس الخانة، وإن كانت حتما زاويتها جديدة تماما وتستحق التمعن بعناية والتدبر كثيرا. حسب الأقاويل والتحليلات هناك رأي أن جيش المهدي تربى وترعرع واستمد قوته مؤخرا في أحضان نطاق منطقة البصرة، وغض البصر تماما عن قوته المتزايدة ونفوذه الآخذ في النمو والامتداد من قبل القوات البريطانية صاحبة امتياز الحماية ضمن قوات التحالف للمنطقة الجنوبية من العراق الواقع تحت الاحتلال. وهنا تأتي الزاوية المثيرة للجدل في تفسير ما يحدث حاليا: الاستخبارات البريطانية تصارع «على حصيف واستحياء» الاستخبارات الأمريكية فتسمح بصورة غير مباشرة في تنامي المعارض الأكبر لقوات الاحتلال الأمريكية من ضمن الطيف الشيعي الواسع النفوذ وتحديدا مقتدى الصدر وجيشه وذلك «لازعاج» الحكومة العراقية وحليفها الأمريكي، كل ذلك بسبب احساس بريطاني كبير بأن الدعم والتأييد السياسي والعسكري والمعنوي الذي قدم لم تتم مكافأته تجاريا بعقود واتفاقيات وصفقات كبرى كما حدث للشركات الامريكية العملاقة التي لا تزال تحصد وبأرباح خيالية المكافأة العراقية. هناك تذمر بريطاني من إبعاد الشركات والمؤسسات البريطانية من العراق وعن الصفقات الكبرى التي لا تزال حصريا تمنح وتعطى من الامريكيين للأمريكيين أو من يوصي به الأمريكيون. هذا فتح بابا لحروب خفية أخرى، حروب بين الاستخبارات وبعضها أو الشركات العملاقة وبعضها أو الميليشيات المأجورة وبعضها. الحرب في العراق بدأت قذرة ضد نظام قذر وبالتالي لا يمكن إلا أن تفرز قذارة. وهذه القصص والنظريات بالرغم من وقوعها بين دائرة المدهش ومربع اللامعقول، إلا أنها غير بعيدة أبدا عن مناخ ملغم ومناخ مشوش افرزته التيارات المجنونة المتصارعة بالعراق. ولعل «ألم» الاستخبارات البريطانية ووجع ضميرها على اقتصاد بلادها الخاسر جراء فقدان «حصصهم» في مكافأة العراق الاقتصادية هو دليل أخير جديد على فساد الحرب العراقية بكل أشكالها مهما روج لها بالخير والحسنى والكذب.

[email protected]