رب ضارة

TT

هناك دائما طرفان في أي تقلبات او تغيرات حادة تحدث في اوضاع العالم سياسيا او اقتصاديا، وهذا ينطبق على الأزمة الحالية المتمثلة في ارتفاع اسعار السلع الغذائية الرئيسية والتي تهدد بأزمات واحتجاجات سياسية عنيفة في 33 دولة في العالم حسب ما حذرت منه المؤسسات الدولية.

في الأزمة الحالية التي وصفها مسؤولو برنامج الأغذية والزراعة الدولي بالـ«تسونامي» الصامت، على نمط موجات البحر العاتية التي بلعت عشرات الآلاف في دقائق على سواحل آسيا، هناك ايضا رابحون وخاسرون، وربما يمكن المجادلة بأن هناك وجها ايجابيا لها يمكن ان يستفيد منه الناس في المستقبل. الخاسرون بالطبع هم المستهلكون والفقراء الذين وجدوا ان أعباء المعيشة الاساسية تتزايد عليهم بما يفوق طاقتهم في فترة قصيرة ولا تستطيع دخولهم تعويض ذلك. أما الرابحون فهم الدول المصدرة للسلع الغذائية الرئيسية والمزارعون خاصة في الدول النامية الذين وجدوا انفسهم لأول مرة منذ سنوات طويلة في بؤرة الاهتمام، وكمثال على ذلك مزارعو الارز في تايلاند الذين وجدوا انفسهم فجأة يملكون ذهبا ابيض بعد ان ارتفع سعر الطن، خلال عام، من 325 دولارا الى 960 دولارا.

والأرز هو مقياس سلة الغذاء في اسيا، لكنه عالميا واحد من منتجات عديدة غذائية رئيسية على رأسها القمح يعتمد عليها الناس وارتفعت اسعارها بشكل كبير في العامين الاخيرين نتيجة عوامل عديدة بينها ارتفاع الاستهلاك في القوى الصناعية الجديدة مثل الهند والصين والجفاف الذي ضرب محاصيل في دول منتجة رئيسية او الفيضانات، اضافة الى ارتفاع تكلفة الانتاج بسبب اوضاع الاقتصاد العالمي وارتفاع اسعار النفط.

ورغم بعض الأنباء الجيدة أخيرا خاصة في انتاجية محصول القمح المقبل، فإن المؤشرات المأخودة من المؤسسات الدولية مثل منظمات الامم المتحدة المتخصصة والبنك الدولي تدل على أن ازمة اسعار الأغذية هذه ليست قصيرة وانها قد تستمر لسنوات بما يعني انه يتعين على الدول ان تتعايش معها لفترة طويلة، ويذهب البعض الى القول إن عصر اسعار الغذاء الرخيص قد انتهى.. وهي أزمة تلقى اهتماما غير مسبوق على المستوى العالمي لأنها اكتسبت بعدا أمنيا وسياسيا مع ما تشكله من مخاطر اضطرابات سياسية تصل الى حد تهديد الأمن والسلم العالمي واستقرار الانظمة السياسية. لكن، رغم الصعوبات، يمكن رؤية خيط أبيض يكمن في الادراك المتزايد الان لأهمية قطاعات الزراعة التي كانت تأتي في الدرجة الثالثة من الاهمية لأن القيمة المضافة فيها ليست عالية، كما أن العمل شاق فيها. ومن المتوقع ان يشهد هذا القطاع تدفقا أكبر للاستثمار فيه مع الشعور بأن هناك عوائد اكبر ستأتي منه. ايضا هناك خلل يجب ان تتم معالجته وهي قضية الدعم في الدول الصناعية لقطاعاتها الزراعية والذي ادى الى عقود من التدهور في النشاط الزراعي في الدول النامية نتيجة عدم القدرة على المنافسة في الاسعار في السوق العالمية بحيث اصبحت الدول الصناعية تحتكر السيطرة على منتجات الصناعة والتكنولوجيا والغذاء.

المنطقة العربية ليست بعيدة عن هذه الاتجاهات فهي في قلب عاصفة ارتفاع اسعار المواد الغذائية الرئيسية واضطراباتها السياسية، وقطاعاتها الزراعية مع بعض الاستثناءات لم تحصل على حقها الطبيعي إما نتيجة حروب ومشاكل سياسية او ظهور ثروة النفط في مجتمعات كانت زارعية سابقا ومحدودة الموارد المائية، او ان تكلفة الاستيراد ارخص من تكلفة الانتاج محليا. وبالتأكيد سيكون مفيدا لو كان هناك تفكير او تنسيق على مستوى اقليمي تجاه ظاهرة الغذاء هذه والاستثمار في القطاع الزراعي والبحث عن خطط او استراتيجيات تشجع الاستثمارات في القطاعات الزراعية والتجارة البينية اقليميا في إطار تحقيق المصالح والمنافع المتبادلة بين دول المنطقة .