نفاق الإعلام

TT

خلال السنوات السبع الماضية، قامت المجموعة الطائشة التي تحكم الحزب الجمهوري ـ وهي المجموعة التي تؤمن بالتعذيب ولا تؤمن بالتطور ـ بخطف ديمقراطيتنا، وقد ساعدتها في ذلك وحرضتها عليه وسائل الإعلام الإخبارية. ولا يتمثل جوهر المشكلة في انحياز «فوكس نيوز» أو التبجح الذي نسمعه على الإذاعات، ولكنه يتمثل في التوجه العام للإعلام الذي يوحي بأن الجناح اليميني هو الذي يضع أطر التنظير السياسي. لقد أصبحت رسالة الجناح اليميني جزءا من الإعلام الإخباري.

وقد ظهر آخر تأكيد لذلك في إعلان هذا الأسبوع عن أن طوني سنو (وهو مذيع سابق في «فوكس نيوز» وسكرتير صحافي للبيت الأبيض، حيث اكتسب تشجيعا كبيرا كبوق إعلامي موهوب لحملات بوش وتشيني) سوف يظهر على قناة «السي إن إن» كمعلق. وأعتقد أن كارل لوف كان مشغولا بعمله في «النيوزويك»، وكان بيل كريستول مشغولا بالمقال الذي يكتبه في «النيويورك تايمز».

لا شك أن هناك الكثير ممن عملوا في البيت الأبيض مثل وليم سافير وجورج ستيفانوبولوس قد عرفوا طريقهم إلى المحطات التلفزيونية والصحف. لكن شخصية طوني سنو تبقى من بين الشخصيات التي لا تخجل مما تقوم به من أعمال مشينة في حملاتها الإعلامية. وبتبني مثل هذه الشخصيات، فإن التوجه الإعلامي قد بدأ يثير الاشمئزاز.

فهل كان هؤلاء يخشون من تسمية الجمهوريين لهم بأنهم «ليبراليون» لدرجة أنهم كانوا يشعرون بالإجبار على التحالف مع الأعداء؟ لا شك أن روف وكريستول وسنو هم أعداء الأمانة والحقيقة والصدق وهم أعداء لحق الجمهور في المعرفة.

ولا شك أن التزام روف بالخداع لا حدود له، مثلما كان عمله السابق كله يقوم على الخداع. وقد كان كريستول، رئيس أركان دان كويل في عهد إدارة بوش الأب، هو الأمير المتوج على العرش. ومع عمله كمحرر في مجلة «ويكلي ستاندرد»، كان من الداعين إلى غزو العراق، كما لاقت مزاعمه بشأن تقدم الحرب الكثير من التكذيب مرة بعد أخرى. وكانت جائزته: حجز مقالة باسمه في مجلة «التايم» عامي 2006 ـ 2007، كما أصبح يكتب في مجلة «غراي لادي». وكذلك ربما تكون مجلة «النيويورك تايمز» قد منحت جايسون بلير، وهو كاتب سيئ السمعة، مساحة لمقال أسبوعي فيها. والآن، فإن «السي إن إن» وهي «أكثر اسم حاز الثقة في عالم الأخبار» قد فتحت ذارعيها لشخص مثل سنو وأعطته بوقها الإعلامي ليتحدث فيه كيفما شاء.

فهل تعاني مثل هذه الجهات من فقدان الذاكرة؟ ألا تتذكر تلك الهوة البعيدة بين «سنو» والحقيقة عندما كان يعمل ناطقا باسم إدارة بوش؟ الحقيقة هي أن سنو ليس هو الذي يمثل المشكلة ولكن المشكلة تتمثل في من عينوه في هذا المنصب وأسبابهم التي دفعتهم إلى ذلك. إن أهم ما يجب أن يتحلى به الناقد التلفزيوني هو المصداقية. فالجمهور لا يوافق على أي رأي يبديه المتحدث، كما أن الجمهور يحتاج إلى الشعور بالثقة في من يتحدث، ولا يصدق الجمهور الكلام الذي يطبخ في البيت الأبيض ليبقي على جهلنا بما يدور. وكان هذا هو تخصص سنو ـ الذي ساعدته عفويته المحضة على أن يكون وجها تجميليا لإدارة بوش المحافظة والقاسية.

وعندما وصل عدد القتلى الأميركيين في العراق إلى 2500 في شهر يونيو (حزيران) 2006 قال سنو إنه «مجرد رقم». وعندما تم الإعلان عن أن إرسال القوات الكافية إلى العراق سوف يستلزم ترك بعض الفرق لتدريباتها الاعتيادية، لم يبد اهتماما كبيرا بالأمر وقال: «حسنا.. يمكنهم التدرب في مكان آخر مثل العراق».

وهو موهوب في استعراض بلاغته وفصاحته التي تشوش على الآخرين. ففي أغسطس (آب) 2006 عندما تسببت سلسلة من التفجيرات في قتل 3400 مدني عراقي، أصر سنو على أنه «ليست هناك حرب أهلية». وبدلا من الاعتراف بأن ما يجرب حرب أهلية بالفعل، قال إن ما يحدث هو عبارة عن «عدد من أعمال العنف الطائفي».

وفي ديسمبر (كانون الأول) 2006، حاول إضفاء بعض الإيجابية على تقرير مجموعة دراسة العراق الذي انتقد الأوضاع في العراق، وأصر سنو على أن التقرير قد وافق على «هدف» بوش في العراق. وعندما وجه إليه سؤال يتعلق بأن التقرير أفاد بأن سياسات الرئيس في العراق «لم تكن ناجحة» أجاب بقوله: «لا، إن ما قاله التقرير هو أننا بحاجة إلى سياسة جديدة».

وهو لا يدع الأشياء الصغيرة مثل «الحقائق» تعيق طريقه. ففي سبتمبر (أيلول) 2006 وبعد أيام من تقرير مجلس الشيوخ الذي توصل إلى عدم وجود علاقة بين صدام حسين وأبي مصعب الزرقاوي، أصر سنو على أن هذه العلاقة كانت موجودة، كما استمر بكذبه في الربط بين العراق وأحداث الحادي عشر من سبتمبر. إن اليمين المتعصب قد وضع قناعا إعلاميا معاصرا على وجه فلاديمير لينين، ولسان حالهم يقول مثلما كان يقول لينين: «إن الليبراليين سوف يعطوننا العصا التي سنضربهم بها».

* إيريانا هافنغتون، محررة مشاركة في مجلة «لوس أنجليس تايمز»، قسم الرأي، ورئيسة تحرير مجلة «هافنغتون بوست»،

* خدمة «لوس أنجليس تايمز»

خاص بـ«الشرق الأوسط»