لو أدرنا مؤشر البوصلة قليلا

TT

نحن العرب شرقيون وفق التصنيف الذي يقسم العالم إلى شرقٍ وغربٍ، لكن ما نعرفه عن ثقافات الشرق الذي ننتمي إليه وآدابه وفنونه وفلسفاته وطرائق حياته، توشك أن تكون محدودة جدا، فنحن لا نعرف إلا ما يطفو على سطح الطرقات من مركبات «تويوتا»، «هوندا»، «مازدا»، وغيرها.. والمحير أن الغرب الذي يحتل مركز اهتمامنا أدرك ثراء الشرق، فعمل جاهدا على معرفة أسراره وخصوصياته، بينما نحن لم نزل ندير ظهورنا لهذه الثقافات الأقرب، والتي تشكل الامتداد الطبيعي للفضاء النفسي والحياتي الذي نعيشه..

مساء الاثنين الماضي لبيت دعوة من جمعية الصداقة السعودية ـ الهندية التي أقامت أمسية جميلة بأحد فنادق جدة ضمت شخصيات هندية وسعودية، وقدمت خلالها ألواناً من الفنون الهندية والسعودية التراثية.. في تلك الليلة تملكني إحساسٌ عذبٌ بأن هذه الصداقة المشتركة يمكنها أن تفتح بوابات معرفية كثيرة، فالهند بكل عوالمها، وعلمائها، وثقافاتها، وفنونها، وفلسفاتها تشكل منهلا ثرياً وعذباً يمكن الانفتاح عليه بصورة أكبر وأعمق، فما نعرفه عن الهند حتى اللحظة أقل كثيراً مما ينبغي أن نعرفه وندركه ونتعلمه.. وأنا أدين للصديق الدكتور رشاد محمد حسين رئيس جمعية الصداقة السعودية ـ الهندية بالمشاعر الجميلة التي تملكتني في ذلك المساء الجميل، وأنا استحضر ذهنياً مكاسب انفتاحنا على الشرق، فيما لو تحقق وفق رؤى أكثر اتساعاً، فالعلاقات بالشرق ينبغي ألا تختصر في استيراد العمالة والأرز، فالشرق ثريٌّ بأشياء كثيرة أهم وأعظم..

فلو تخلصنا من حالة الاستلاب الغربي، وأدرنا مؤشر بوصلة اهتمامنا قليلا صوب الهند، والصين، وكوريا، واليابان وغيرها من الدول الآسيوية فسندرك حجم خسارتنا الكبيرة في التغافل عن تلك الثقافات بكل ما تضمه من آداب وفنون وطرائق تفكير ثرية وفريدة..

آمل أن يكون لنا مثل جمعية الصداقة السعودية ـ الهندية عشرات الجمعيات التي تربطنا بصداقات آسيوية أخرى صينية، وكورية، ويابانية وماليزية وغيرها، وأن تكون لتلك الجمعيات أدوار فاعلة أكبر في الترسيخ لصداقات حقيقية تنعكس آثارها واضحة في التقريب بين المجتمعات.. وهذا المقال ليس دعوة لرفض الغرب بكل تقدمه التقني، ولكنه دعوة لرؤية الشرق أيضا بكل ثرائه الإنساني.

[email protected]