يا زمان الصحافة..

TT

لماذا يضرب محررو «الموند»، ربما أكثر الصحف احتراما في العالم؟

أعطيت اسباب كثيرة. وفي قناعتي المتواضعة ان السبب الحقيقي ليس في كل ما ورد. «فالموند» تتراجع وتخسر لأن الكثير من عالمها ومناخها قد انتهى. فقد ظهرت قبل 63 عاما في زمن عظيم، حافل بالتحديات، غارق في التيارات الفلسفية، مليء بذوي الأسماء الكبرى في الأدب والسياسة والمقاومة الوطنية، ونحن الآن في زمن آخر.

كان مؤسس «الموند» اوبير بوف ماري لا يكتب مقالا إلا في الأحداث الكبرى. واذا كتب كان يوقع بالاسم المستعار «سيريوس»، لكن الحدث الأهم ذلك النهار هو مقال «سيريوس»، الرجل الذي يملي على ديغول نفسه «موقف فرنسا». وفي كل انتخابات عامة كانت الناس تنتظر لتعرف من هو الحزب او المرشح الذي سوف تؤيده «الموند». واذ كان طلاب الجامعات يهرعون من صفوفهم عند الظهر لشراء النسخة الأولى منها، كان رئيس الدولة وكبار اركانها ينتظرون هم ايضا لحظة صدور الصحيفة التي اصبحت رمزا من رموز فرنسا الحضارية، مثل السوربون والأوبرا والأكاديمية ومقاهي الفلاسفة.

أين هي فرنسا اليوم؟ أي جيل هو الجيل الفرنسي الحالي؟ يقول امبرتو ايكو ان الجيل الجديد في بريطانيا يعتقد ان تشرشل شخصية خرافية وان روبن هود وشرلوك هولمز وبعض الأسماء في اغاني البيتلز، شخصيات حقيقية. ويقول ايكو ان الصحافة كانت تقول كل ما لديها في ثماني صفحات، اما اليوم فالدنيا غارقة في معلومات الحاضر، والكون متلاصق والأخبار متلاحقة.

«الموند» تنتمي، في رقيها التحريري ومستويات الدقة والصدق والثقة، الى عالم لا وجود له. وعندما صدرت كان أشهر الفرنسيين يدعى شارل ديغول وله زوجة مشهورة بصرامتها تسمى «العمة ايفون». وقبل ايام احتفلت فرنسا بعام على وصول نيكولا ساركوزي، الذي طلق وتزوج خلال خمسة أشهر من فوزه. وسافر الى آثار مصر «بالشورت» ومعه صديقته الايطالية التي ستصبح الفرنسية الأولى. اعيدوا قراءة امبرتو إيكو.