بالنسبة إلى حزب الله الأمر عادي

TT

تعليقاً على احتجازه للقيادي في الحزب الاشتراكي الفرنسي كريم باكزاد في ضاحية بيروت الجنوبية لخمس ساعات قبل أيام، أعلن حزب الله في بيان له «أن الأمر كان ليمر بشكل عادي وطبيعي» لو لم تتم اثارة القضية وتطرح أمام الإعلام، معتبراً أن من أثار القضية يضمر نيات سيئة للمقاومة.

لم يجانب حزب الله الصواب حين يعتبر أن توقيف السياسي الفرنسي خلال تصويره لمعلم في منطقة نفوذ حزب الله الأمني، هو أمر كان يفترض أن يمر بشكل طبيعي وعادي والمفارقة هي في إثارة ضجة حول الأمر. فمنذ انتهاء الحرب اللبنانية عام 1990 وتكريس حزب الله لدوره ولسلاحه تحت رعاية سورية باتت كل مناطق نفوذه عصية على أي صحافي أو مصور من دون إذن ومن دون مرافقة لعناصر «الانضباط» ومن دون اجراءات أمنية لحزب الله وحده حق اجتراحها وممارستها. وحكايات الصحافيين والمصورين الذين أوقفهم عناصر حزب الله وحققوا معهم أو صادروا لهم معدات أو أشرطة, تكاد لا تحصى حتى باتت من عادات الممارسات الأمنية الإعلامية في لبنان. وغالباً ما يتأرجح موقف الجهة الصحافية التي تتعرض للتوقيف والملاحقة ما بين أمرين: الرغبة في الحصول على مادة صحافية وبالتالي مراعاة سياسة الأمر الواقع والتغاضي عن حقيقة أن جهة حزبية وليست رسمية قادرة على ممارسة هذا القدر من الضبط الأمني، أو الرفض والاحتجاج وهو غالباً ما يبرز لدى بعض الصحافيين الغربيين الذين يروون ما حدث معهم من تضييق إعلامي لدى عودتهم إلى بلادهم وإعدادهم لمادتهم الصحافية.

منذ تمكنه من بسط نفوذه على مناطق الضاحية والجنوب وبعض الأحياء في قلب بيروت، مارس حزب الله ضبطاً دقيقاً ومحكماً لأي مقابلة أو صورة وأي مادة إعلامية تخرج من تلك المناطق وهو يبرر اجراءاته بمواجهة «الأخطار المحتملة من العدو الاسرائيلي» كما ورد في بيان الحزب الأخير وكما يبرر الحزب دائماً سياسته هذه..

الضبط الأمني فرض بطبيعة الحال صوراً ومواقف منتقاة دائماً وبعناية حتى بات بديهياً أن يمارس من هم يعيشون تحت هذا النفوذ رقابة ذاتية أو يمتنعون في كثير من الأحوال عن التعبير صراحة عما يريدون قوله.

ولكن ما الذي أدى إليه غياب التغطية الإعلامية الفعلية لمنطقة نكبت في عام 2006 بدمار هائل استرعى تأسيس شركة لإعادة إعمارها هي شركة «وعد».

يجمع سكان الضاحية على أن إعادة الإعمار تلك لم تبدأ على نحو فعلي ورغم ذلك غابت الأسئلة المرتبطة بتعليق الإعمار. وسائل الإعلام اللبنانية عاجزة عن الإحاطة بمعضلة نكبة الضاحية بسبب الحصار الإعلامي المفروض وامتد ذلك ليشمل إمكان رصد أي تغير في المزاج العام المحيط ببيئة حزب الله والمحتضن لها.

إنها منطقة مقفلة على الإعلام فعلاً.

حادثة النائب الفرنسي كانت لتكون عادية وعابرة لولا أن المستهدف بها نائب في دولة كبرى.

الأرجح أن عشرات تعرضوا لما تعرض إليه النائب من دون ضجيج أو احتجاج.

ربما هذا ما قصده حزب الله أن الحادثة كانت لتكون عادية لولا النيات المضمرة.

diana@ asharqalawsat.com