مُرة حامضة

TT

المشكلة في افتتاحيات الصحف الغربية ان التقليد يمنع كتابها من توقيع أسمائهم. وإلا لعرفنا من يكتب افتتاحيات الحب في «النيويورك تايمس» أول الربيع، ومن يكتب افتتاحية تقديم الساعة مع التوقيت الصيفي في «التايمس»، وعرفنا ما، أو من هو أهم من ذلك بكثير: من الذي كتب افتتاحية غزو «الكزبرة» لبريطانيا في «الغارديان» الاثنين، 28 نيسان 2008.

تحمل الصحف الانكلوسكسونية عادة ثلاث افتتاحيات: الأولى، هموم العالم. وقد كانت الاثنين عن نجاة حميد كرزاي من محاولة اغتيال أخرى في بلد السلام الدائم، المعروف أيضا باسم افغانستان. الثانية، هموم البلد، وقد كانت عن نظام الاقتراع بالبريد، والثالثة، لا هم ولا غم، وكانت عن «الكزبرة»، الفرع الحاد من عائلة البقدونس، سيدة الموائد، مطيبة الفاصولياء بالرز (برغم أزمة الحبوب) مبهرة البطاطا المقلية، مزينة الفول المدمس، وسر جاذبية وتفوق الحمص البيروتي، باختصار، بارونة الطباخين.

لم يذهب كاتب «الغارديان» مثلنا الى هذا الحماس لسبب واضح. انه لا يعرف عن «الكزبرة» إلا في الطعام التايلاندي والفيتنامي وبعض المكسيكي. بالاضافة طبعا الى «الكاري» الهندي. وفي مدينة فيها كل مطابخ العالم إلا مطبخها مثل لندن، أصبحت «الكزبرة» ربع ما يستهلك أهلها من العشب.

تؤكد «الغارديان» في هذا البحث الكزبري أن العشبة ليست جديدة على بريطانيا العظمى. فقد وصلت الى البلاد «مُرة مالحة» منذ أيام الرومان. وهي سائدة في المطبخ البرتغالي، فيما لا يزال الايطاليون والفرنسيون يتحاشونها. لماذا؟ لا جواب لدى «الغارديان»، ولكن دعني أتبرع بإجابة. «الكدية كدية ظاء» كان يردد أبو العبد في الصراعات الفكرية. أي «القضية قضية ذوق» ولا شيء آخر. فالايطاليون يطمرون أكلهم بالحبق، الذي هو من عائلة النعناع. أي مرارة مائلة إلى الحلو، وليس إلى الحموضة كما في الكزبرة. أما الفرنسيون فيغطون كل شيء بالثوم، قائلين «ان أهم الطباخين اثنان: الجوع والثوم».