هتلر لا يضحك

TT

الشائع عن الألمان انهم تعوزهم روح النكتة. يمكننا ان نعرف ذلك من ادبهم. إن لهم أدبا رائعا غنيا. لهم غوته وشلر. ولكن ليس لهم نظير لموليير او شكسبير او شيكوف. طالما قيل إن الانكليز يضحكون ثلاث مرات عندما تروي لهم نكتة. اول مرة مجاملة عندما ترويها لهم، وثاني مرة عندما تشرحها لهم، وثالث مرة عندما يفهمونها. أما الالمان فيضحكون مرتين، اول مرة عندما يسمعونك، وثاني مرة عندما تشرحها لهم ولكنهم لا يفهمونها. الفرنسيون يضحكون مرة واحدة، حالما ترويها لهم فيفهمونها. اما الامريكان فلا يضحكون ولا مرة، لقد سمعوها مسبقا.

وهكذا لم يعرف عن هتلر أي روح نكتة. وحالما سمع بأن الناس بدأوا ينكتون عليه، اصدر أوامره للغستابو بإلقاء القبض على اي واحد يروي نكتة عنه ومعاقبته بشدة. ذكروا له ان الكوميدي الشهير يوسل فون غولدبلوم ينكت عليه في المسارح. قال: إئتوني به. كان غولدبلوم يتمتع بشعبية كبيرة، وصعب على هتلر ان ينكل به. ومصيبة غولدبلوم انه كان يهوديا ايضا. جاؤوه به. راح الفوهرر يؤنبه على ما قال، فسأله: هل رويت تلك النكتة عني وعن الحمار؟ أجابه الممثل الكوميدي: نعم. عاد فسأله: وهل رويت تلك النكتة عني وعن الخنزير؟ قال: نعم. عاد فسأله: وهل قلت انه عندما أموت سيحتفل اليهود بيوم موتي ويجعلونه عطلة سنوية؟ قال: نعم.

وهنا بدأ الغضب يغلي في نفس هتلر فصاح به: يا كلب! يا خنزير! كيف تجرؤ على كل ذلك وانا رئيس هذا الرايخ الثالث لألمانيا، الرايخ الذي سيخلد لألف سنة؟ فانفجر الكوميدي الشهير بالضحك وقال: «ظريف! ظريف! هذه نكتة حلوة حقا. ولكنني اؤكد لكم انني لم اقل هذه النكتة قط».

ذكر المؤرخون أن ادولف هتلر لم يزعجه شيء كما كان ينزعج من سماع نكتة ضده. ما أن شعر هرمان غورنغ بذلك حتى حذر منه، وقال إن من يروي نكتة عن الفوهرر فإنه يرتكب خيانة لالمانيا. وراحت الشرطة تتعقب كل من يروي نكتة او يستمع لنكتة ضد الفوهرر وتعاقبه اشد العقاب. زجوا في السجن بآلاف الناس لمجرد أنهم سموا كلبهم «ادولف». وبلغ من حكمت عليهم «محكمة الشعب» بالإعدام نحو خمسة آلاف شخص، على الاكثر بتهمة التنكيت على الفوهرر. كان منهم القس الكاثوليكي جوزيف مولر. روى انه وقف يستغفر لجندي جريح فقال له الجندي: اذا مت فأرجو ان تضع على يميني صورة هتلر وعلى يساري صورة غورنغ. سأشعر بأنني أموت كما السيد المسيح عندما علقوه بين مجرمين اثنين.

صدر الحكم على ذلك القس بتهمة «ترويج أشنع هجوم ضد ايماننا بالفوهرر وشعبنا ورايخنا».

ورغم كل ذلك الاضطهاد للنكتة السياسية فإنها ظلت تنمو وتنتشر حتى أخذ الظرفاء ينكتون على انفسهم. قالوا ان محكمة الشعب حكمت على احد الظرفاء بسجنه سجنا انفراديا لا يخرج منه حتى يروي كل ما ردده من نكات ضد هتلر.

كان ذلك خير ضمان لبقائه في السجن مدى حياته!