الكويت: تنقيح الدستور يُجنب الاصطدام بين الحكومة والمجلس

TT

كأن الكويتيين يحبون عملية الانتخاب أكثر مما يركزون على المطلوب من النواب عمله بعد الفوز. عادت خيم المرشحين تنتشر وعادت المآدب تمتد، وانطلقت الطروحات. كثير من الكويتيين يتحدثون ويتوقعون أن تفشل العلاقة الجديدة المقبلة ما بين الحكومة ومجلس الأمة الجديد، لأنه إذا ما شعر أحد من الطرفين بأنه يستطيع أن يحلق وحده دون الآخر، فهو خاطئ، ولأنه لا يمكن للكويت أن تتقدم الى الأمام طالما أن هناك جانباً يعتقد بأن في استطاعته أن يتطور بمعزل عن الآخر.

اللافت في الحملة الانتخابية الحالية أن عدداً من المرشحين أو نواب مجلس الأمة المقبل يعرفون أن الاصطدام ما بين الحكومة ـ أي حكومة، ومجلس الأمة ـ أي مجلس، سيتكرر. هذا الاصطدام بدأ مع أول قرار أميري بحل مجلس الأمة عام 1967، وحتى الآن لا يزال سبب الاصطدام هو نفسه، انه الدستور الذي لا يواكب العصر الحالي. وحسب مصدر سياسي كويتي، فإن الدستور في الأساس، لم يكن قبل أربعين سنة مواكباً الواقع، وبالتالي فإنه لن يواكب الآن القرن الحادي والعشرين. ويضيف: «إن الاصطدام سيأتي في كل الأحوال ومهما صفت النوايا. إذ هناك العديد من المواد في الدستور تحدد نمطية العلاقة ما بين السلطتين، ومن بينها مسألة فصل السلطات، وما زالت حتى يومنا هذا، مسألة فصل السلطات هلامية، غير واضحة وفيها تدخل كبير من الجانبين وغير مطبقة على ارض الواقع». ويشير محدثي الى مادة في الدستور الكويتي «معطلة تعطيلاً كاملاً»، رغم أنها تنادي بضرورة مراجعة الدستور وتنقيحه بما يمنح المزيد من الحريات (المادة 174 من الباب الخامس). ولا تزال هذه المادة مثل «منطقة كمين أو منطقة تماس كهربائي أو حقل الغام»، لا أحد يقبل طرحها أو مناقشتها أو التطرق اليها أبداً. لذلك يُلاحظ في الكويت أن بعض السياسيين يكيّف الدستور وفق مصالحه أو أجندته السياسية. ويقول المصدر السياسي الكويتي: «عندما أشير الى منطلق التعاون، أتكلم بشكل عام وأقول: لنحتكم الى الدستور، كل مواد الدستور، لأنه لا يمكن التعاطي مع الدستور وكأننا في مطعم وهناك قائمة طعام، نختار منها ما نحبه ونتجاهل ما لا نحبه. هناك ضرورة للمساواة في بنود الدستور والتعامل معها كلها بالمثل».

في العالم، تنظم الدساتير الأساسيات، ولا تدخل أبداً في التفاصيل، لكن في الكويت هناك مادة في الدستور، تعجيزية تقريباً، تحدد عدد أعضاء مجلس الأمة بخمسين عضواً. جاءت هذه المادة عندما تم وضع الدستور عام 1962 وكان يومها أهل الكويت لا يتعدون المائتي ألف نسمة، اليوم يبلغ عدد المقيمين في الكويت مليوني نسمة منهم مليون كويتي.

1. ويقول محدثي السياسي الكويتي، إن أحداً لا يتطرق الى زيادة عدد النواب، كما لا يطرح أحد ضرورة الدعوة الى مؤتمر وطني أو مناقشة أجندة وطنية تقول إن الدستور يجب أن يسّرع الأمور لا أن يضع عراقيل أمام التقدم: «الدستور حالياً يشد الى الوراء، لذلك لا يجب أن يُتخذ كذريعة لعرقلة أي مشروع تنموي في البلاد، هذا يجب ألا يحدث، كما يجب ألا يشل الدستور الحياة السياسية».

هناك العديد من الأمور التي تعكس أفكار المشرعين الأوائل عام 1962 يكاد يجزم كل الكويتيين بأنها أفكار تعداها الزمن ولم تعد تصلح خصوصاً إذا كان الكلام عن الكويت المستقبل، أو ما يساعد الكويتيين على مماشاة التقدم القائم في العصر الحالي.

في الماضي كان الحديث عن التأميم، اليوم الحديث عن الانفتاح، ومنظمة التجارة العالمية، وضرورة مشاركة العالم والشركات الدولية في تنمية المداخيل الكويتية. لكن قانون التأميم الذي يمنع الشركات العالمية من التنقيب عن النفط مثلاً، هو قانون قديم يتمسك به نواب مجلس الأمة ولا يقبلون تعديله، رغم أن في الكويت سياسيين ورجال أعمال، كما في الدول المتطورة الأخرى، يعتبرون أنه كلما عززت وضاعفت من المشاركة الدولية في البلاد، فإنك تقوّي وتدعم أمنك الوطني.

هناك مسألة أخرى وهي عدم انغلاق الكويت على نفسها، بل انفتاحها على العالم كله. وهذه مسألة مصيرية. ويقول المصدر السياسي الكويتي: «عندما نتكلم بأن تصبح الكويت مركزاً اقتصادياً دولياً، فإننا لا نتكلم من منطلق التباهي، ويجب ان نتوقف عن البكاء على أطلال الماضي، وكيف كانت الكويت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي. تلك المرحلة انتهت، وذلك العصر ولى، الآن إذا لم تصبح الكويت منفتحة على العالم وصارت نقطة استقطاب للمصالح الخارجية والدولية، فهي لن تفقد فقط أهميتها، إنما ستُعرّض أمنها القومي للخطر»، ويضيف «إنه من ناحية مصلحة بحتة، وليس من أي منطلق آخر لا بد من الانتباه الى هذه المسألة ويجب بالتالي ألا تأخذ حيز الأولويات، الأمور الأخرى التي تشغلنا عن الوصول الى هذا الهدف».

لكن، كل هذه الطروحات قد تكون من المحظورات في الكويت الآن، ومجرد التطرق اليها يدخل في باب العمالة والخيانة.

وأسأل محدثي عما إذا كانت هناك فكرة أو توجه لتشكيل لجنة لإعادة دراسة الدستور وتنقيحه؟ يقول إنه لم يقرأ عن هذا الأمر الذي لم يعد مجرد مسألة خيار بل ضرورة. فجيل الشباب مطالب بالقيام بهذه المهمة، فهناك أمانة في عنقه تجاه أولاده وأحفاده. يضيف: «لقد عايش جيلي غزواً (الغزو العراقي للكويت) عرفنا خلاله كيف تُفقد الكرامة بفقدان الأرض. عندما يفقد الإنسان أرضه لا يعود يساوي شيئاً. الآن رُدت الأرض وأمامنا مسؤولية الحفاظ عليها. علينا البدء في تمهيد الأرض في سبيل أبنائنا، ومن بين الأمور الأساسية الدستور. إن الإنسان يتطور بلبسه، ألا يمكنه أن يتطور بالدستور؟».

ويلفت محدثي الى أسوأ البيانات التي خرجت في حمى الحملة الانتخابية الجارية: «خرجت بيانات فارغة، نسمع مثلاً عبارة: إلا الدستور. ما معنى هذا، أن لا نطور الدستور؟».

يتحدث المرشحون والسياسيون في الكويت عن الدستور الذي يحفظ الحرية والكرامة والمعتقد، لكن كل سياسي أخذ من الدستور بنداً أو سطراً، يتسلق عبره ويكوّن نفوذاً معيناً ويدعي أن هناك خطراً ما وأنه هو المنقذ الوحيد ومن غيره سيكون الدمار.

حول هذا أسأل محدثي السياسي الكويتي، فيقول: «هذا غير صحيح. نحن نضجنا ما فيه الكفاية وحان وقت الأفعال. وعندما يرددون بأنه دق ناقوس الخطر فإننا نريد أن نراه، نرفض الاستمرار في التلويح بدق ناقوس الخطر لمدة أربعين أو خمسين سنة، لقد انتهت هذه المسألة. إن تفكير التسعينات لا يمشي الآن، فما بالك بتفكير ساد قبل خمسين عاماً؟».

يشير الكويتيون بفخر الى آبائهم وأجدادهم حيث كان مبتغاهم الأول الاستثمار في العنصر البشري، لكن ما يرونه الآن استثمار في غير محله.

هناك زيادة في مفهوم أن تكون الدولة اشتراكية حتى النخاع، جيد أن تكون الدولة مسؤولة عن الرعاية الصحية والرعاية التعليمية والسكنية، لكن أن ترعى الإنسان من المهد الى اللحد، فإن هذا مكلف للغاية ويُفقد الإنسان الحس بالمسؤولية ونزعة الإبداع والمبادرة.

تكليف الدولة بكل المسؤوليات هو من أسباب الخلاف بين نواب مجلس الأمة والحكومة. الكثير من أعضاء المجلس يرفضون الانفتاح لأنهم يريدون الدفاع عن بقاء وظائف هامشية. يقول محدثي: «لا يجوز أن تنقلب حال السلطة التشريعية، وبدل أن تكون سلطة تشريعية رقابية تصبح أكبر نقابة لحماية موظفي القطاع العام».

هذا ما نراه في الكويت، إذ يقف أعضاء مجلس الأمة في وجه كل مشروع تنموي بداعي حماية الموظفين، وبذلك يأخذ النواب دوراً نقابياً بدل القيام بالدور التشريعي الرقابي. وهنا يحصل الاصطدام.

وإلى الأسبوع المقبل.