الأزهار أفضل من الكوكايين

TT

على مدى سبع سنوات، ظل الديمقراطيون يشتكون من أن الرئيس بوش قد أثار عداوة العالم بلا مبرر، وأنه أغضب الحلفاء وتسبب في تراجع تأثير الولايات المتحدة الأميركية. والآن يقوم الديمقراطيون بنفس الأمر. ففي شأن أميركا اللاتينية، نجد باراك أوباما وهيلاري كلينتون، اللذين بدا كما لو كانا اثنين من رعاة البقر، يعارضان اتفاقية التجارة الحرة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع كولومبيا. ويزعم بعض الديمقراطيين أنهم ضد الاتفاقية لأن كولومبيا لديها سجل سيئ في مجال حقوق الإنسان. هذه المخاوف شرعية، ولكن يجب ألا تستغل لمعاقبة بعض المواطنين مثل نورما راينوزا، وهي مواطنة تبلغ من العمر 35 عاما تقطف الورد الذي يستخدم في الباقات التي يشتريها المواطنون الأميركيون في عيد الأم. كانت راينوزا تدير مطعما صغيرا ولكنها اضطرت إلى الهرب عندما طلبت منها الميليشيات دفع أموال لا تستطيع توفيرها.

ولذا، اضطرت راينوزا وزوجها في يونيو (حزيران) 2005 إلى ترك منزلهما والهرب إلى ضواحي العاصمة ليبحثا عن وظائف في مجال الأزهار. فلقد كانت المدن الكولومبية مثل ميدلين من أكثر المدن خطرا في العالم في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ولكن هذه المدن تشهد ازدهارا في الوقت الحالي ومعدلات القتل فيها أقل من المعدلات المسجلة في المدن الأميركية.

وأحد أسباب هذا الأمر، هو باقات الأزهار التي يشتريها المواطنون الأميركيون، والتي تتمتع بإعفاءات ضريبية. وفي الوقت الحالي، نجد أن كولومبيا ثاني أكبر مصدر للأزهار بعد هولندا، ويعمل نحو 200.000 شخص في مجال الأزهار. وتحمل 28 طائرة شحن الأزهار يوميا من كولومبيا إلى الولايات المتحدة. ويساور منتقدي اتفاقية التجارة الحرة القلق من أنها قد تضر بالعاملين الأميركيين. ولكن الواقع أن البضائع الكولومبية تدخل الولايات المتحدة من دون رسوم جمركية، والذي سيتغير هو أن المصدرين الأميركيين سيتمكنون من التصدير إلى السوق الكولومبية.

ولكن، كان التقدم في كولومبيا تقدما رائعا، وقد انخفض معدل اغتيال أعضاء النقابات العمالية، رغم أنه ما زال يمثل مشكلة في كولومبيا، بمقدار 80 ُي المائة منذ عام 2002. وخلال العام الماضي، كان معدل القتل بين أعضاء النقابات العمالية هو 4 لكل 100.000، وهو مستوى أقل من معدل القتل بصورة عامة. وتدرك راينوزا أن مستقبلها يعتمد على التصدير للسوق الأميركية. ومع أنها ترى أيضا أن كولومبيا فيها العديد من المشاكل المتعلقة بحقوق الإنسان. فإنها تقول إن اتفاقية التجارة الحرة هي السبيل للمزيد من التطور، فالمزيد من التجارة يعني المزيد من الوظائف ومستوى أعلى من الأمن وحقوق الإنسان.

وقد تم تحقيق العديد من المكاسب في المجال الأمني وفي مستوى الحياة في كولومبيا على مدى الأعوام القليلة الماضية، وهذا هو السبب وراء نسبة التأييد التي تبلغ 85 في المائة للرئيس ألفارو أوريبي. وقد سألت أوريبي يوم الاثنين عما إذا كانت هناك مخاوف لدى رؤساء دول أميركا اللاتينية من أن يقوم الديمقراطيون بجر الولايات المتحدة بعيدا عن التزامها التاريخي باتفاقية التجارة الحرة، فرد قائلا: «أنا لا أتخيل هذا السيناريو الذي سيكون مدمرا للعلاقة الجيدة بين الولايات المتحدة ومنطقتنا».

وللحق، فإن عددا كبيرا من الديمقراطيين البارزين في الإدارات الأميركية السابقة صادقوا على اتفاقيات التجارة الحرة، معلنين أنها «تخدم أمننا القومي ومصالحنا الاقتصادية»، ولكن المرشحين المحتملين للرئاسة لا ينصتون إلى ذلك. وكثيرا ما ينتقد الديمقراطيون بوش عندما يقدم على أي فعل من شأنه أن يضر بوضع أميركا في العالم، وهذا شيء سهل. ولكن هناك اختبارا للأمانة الفكرية وهو مدى استعدادك للتمسك بموقفك تجاه نفس التصرف إذا قام به السياسيون الذين تشعر تجاههم بالإعجاب.

ولقد كان رفض بوش للتوقيع على اتفاقية كيوتو أحد الأفعال الباهظة الثمن، فقد عزز من العداء لأميركا في العالم. وإذا تم الاعتراض على اتفاقية التجارة الحرة مع كولومبيا وتراجعت الولايات المتحدة عن التزاماتها تجاه توسيع تجارتها، فسيكون هذا التصرف من قبل الديمقراطيين مساويا لرفض بوش لكيوتو، مما يعني التراجع عن العالمية. وستبدو الولايات المتحدة كما لو كانت تتكبر على العالم.

* خدمة «نيويورك تايمز»