الفتنة أشد من القتل

TT

أجرت صحيفة دير شبيجل لقاء مع جريت فيلدرز – منتج فيلم «فتنة» – بعد عرض فيلمه على الإنترنت. وقد تضمن اللقاء بعض الجوانب المثيرة، ومنها عندما سئل فيلدرز عن حرية الرأي:

شبيجل: لقد أثرت قضية حرية الرأي ولكنك طالبت بمنع القرآن. ألا يناقض ذلك مفهوم حرية التدين؟

فيلدرز: بالنسبة لي، فإن الإسلام عبارة عن رؤية تحدد كل أشكال السلوك الشخصي – بدءا من المواريث إلى القانون الجنائي. وهذا الفكر يعرض قيمنا للخطر. إنني أكره ذلك ولكنني لا أكره المسلمين.

يبدو أن جريت فيلدرز يرغب في التفرقة بين الإسلام والمسلمين. وهو يرى أن ذلك رأيه وأنه موضوع خاص به شخصيا. وأود هنا أن أركز على سؤال شبيجل. إنه سؤال هام للغاية. لقد صوّر فيلدرز وأنصاره (وهم عدد قليل حتى في هولندا) أنفسهم وكأنهم محتكرون للحرية. وهم يزعمون أنهم يكرهون الإسلام لأن الإسلام ضد الحرية. ولذلك، ولأنهم يعتقدون أن الإسلام ضد الحرية ولاعتقادهم أن الحرية هي القيمة العليا فإنهم يبررون رأيهم بأن علينا حظر القرآن الكريم! إنها مناقضة كبرى أظهرتها صحيفة شبيجل.

يعتقد فيلدرز ومؤيدوه أن معرفتهم وفهمهم للإسلام حقيقي، ولذلك يجب حظر القرآن الكريم.

وفي رأيي، فإن الفارق بين بن لادن وفيلدرز ليس كبيرا، لأنهما كلاهما يعتقدان أنهما أصحاب الحقيقة ويعتبران نفسيهما مركزا لهذا العالم الكبير.

فعلى سبيل المثال، اعتبر هتلر نفسه وفكرته معيارا لكل شيء بل والمعيار الوحيد لكل شيء. وعلى كل من يرغب في معرفة الحقيقة أن يعرف أن هتلر هو رمز الحقيقة المطلقة.

في كتابنا العزيز، هناك محادثة فريدة من نوعها بين الرسول الكريم وشخص آخر. ومن الواضح أن ذلك الشخص لم يكن مسلما.

«وإنا وإياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين * قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون * قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم*» سورة سبأ

يقول الإمام فخر الرازي في التفسير الكبير: «هذا إرشاد من الله لرسوله إلى المناظرات الجارية في العلوم وغيرها، وذلك لأن أحد المتناظرين إذا قال للآخر هذا الذي تقوله خطأ وأنت فيه مخطئ يغضبه، وعند الغضب لا يبقى سداد الفكر، وعند اختلاله لا مطمع في الفهم فيفوت الغرض، وأما إذا قال له بأن أحدنا لا يشك في أنه مخطئ والتمادي في الباطل قبيح والرجوع إلى الحق أحسن الأخلاق، فنجتهد ونبصر أينا على الخطأ ليحترز، فإنه يجتهد ذلك الخصم في النظر ويترك التعصب».

هذه هي الاستراتيجية التي يتبعها الإسلام، وهذا هو الدرس الذي نتعلمه من نبينا الكريم وكتابنا العزيز. لقد أمرنا بالاستماع إلى كل شخص وأن نختار أحسن الكلمات.

ومن ناحية أخرى، فإن فيلدرز ومؤيديه يعتقدون أنه يجب حظر القرآن بل ويطالبون بذلك. لقد أثير سؤال هام للغاية هنا. لماذا كان كل هذا الهجوم على القرآن ونبي الإسلام، بدءا من الآيات الشيطانية إلى الفتنة؟

لقد شهدنا أربعة أحداث هامة. وكانت كل منها ذات صلة بالأخرى وكأنها تنتظمها سلسلة واحدة:

1. الآيات الشيطانية

2. حديث البابا بنديكيت السادس عشر

3. رسوم الدنمارك

4. فتنة

يبدو أن جريت فيلدرز حاول الاستفادة من خبرات من هاجموا الإسلام قبله. ولذلك فإنه قد بدأ الفيلم بأحد الرسوم الكرتونية حول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والتي صورته على أنه إرهابي يلبس عمامة ولحيته طويلة، مثل أعضاء طالبان والقاعدة.

أعتقد أن كل هذه الجهود قد ركزت على القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم.

إنهم يحاولون اتهام الكتاب المقدس ولذلك فإن هذا الهجوم هو هدفهم الأول. فعلى سبيل المثال، قام سلمان رشدي في كتابه آيات شيطانية بتشويه صورة النبي الكريم والقرآن العزيز باستخدام لغة جديدة.

لماذا كل هذه الجهود التي تستهدف القرآن الكريم؟ إن الأمر في غاية الوضوح وهو أن الإسلام قد تأسس على الكتاب الكريم. وإذا قارنا بين الديانات الثلاث السماوية – اليهودية والمسيحية والإسلام – فإننا نستطيع أن ندرك الفروق الواضحة بينها.

فاليهودية تقوم على فكرة أن إسرائيل هي أرض الله وأن الإسرائيليين هم شعب الله المختار. والمسيحية قامت على فكرة أن عيسى المسيح هو ابن الله. أما الإسلام فإنه قام على فكرة أن القرآن الكريم هو كلمة الله وكتابه.

وكتب تيودور نولدك مقدمة لكتابه الشهير وقال: «إن القرآن هو أساس الإسلام. إنه الكتاب المقدس لما يزيد عن مئات الملايين من البشر، وبعضهم ينتمي إلى بلاد ذات حضارات عريقة، وينظر إلى هذا الكتاب على أنه كلمة الله».

وهذا هو التناقض الكبير الذي وقع فيه جريت فيلدرز ومؤيدوه. فمن ناحية، نجدهم يؤمنون بالحرية والديمقراطية، ومن ناحية أخرى، فإنهم يتهمون القرآن الكريم ونبي الإسلام. وفي الواقع، فإن فيلدرز قد حاول حظر القرآن في هولندا (في وقت من الأوقات)!

والنقطة الهامة الثانية هي المعايير المزدوجة التي تتبعها الحضارة الغربية. فهناك معياران مختلفان للحكم على كل من الإسلام واليهودية.

فإذا كان فيلدرز قد قام بإنتاج هذا الفيلم عن اليهود وإسرائيل، فماذا كان سيحدث؟

في السابع عشر من شهر مارس (آذار) قام المذيع التلفزيوني هاري دي وينتر بنشر مقال على الصفحة الأولى في جريدة ألمانية تسمى «دي فولكسكرانت» وأوضح فيه ما يعتقد أنه تشابه بين معاداة السامية والخوف من الإسلام.

وجاء في مقالته: «لو كان فيلدرز قال عن اليهود ما قاله عن الإسلام لأدين ولاتهم بمعاداة السامية...».

ومن حسن الحظ أن الاتحاد الأوروبي قد أصدر بيانا يعلن فيه: «نعتقد أن مثل هذا الفيلم – فتنة – لا يحقق أي هدف سوى تأجيج مشاعر الكراهية».

بل إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قال: «لا شيء يبرر الكراهية أو التحريض أو العنف.. الحرية يجب أن تواكبها مسؤولية اجتماعية دائما».

وعلى الرغم من إدانة الاتحاد الأوروبي والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الوزراء الهولندي للفيلم، إلا أننا شاهدنا ردود فعل واضحة في العالم العربي ضد هذا الفيلم. وقد قيل إنه في آخر عهد نبوخذنصر، كان إذا رمى بالسهام فإنها تعود إليه وتجرحه.