لمن الحوار في لبنان؟

TT

فجأة، وبلا مقدمات موجبة، انتقل مطلب المعارضة اللبنانية لتسوية الأزمة السياسية في لبنان من مبادرة عربية الى مبادرة لبنانية فحسب.

هذا عدا عما بدا حتى غدا لبنان قادرا على حل أزمته الداخلية بحوار لبناني ـ لبناني بعد أن أشبع «شيخ المعارضة»، الرئيس نبيه بري، أسماع العالم تردادا بأن الحل مرهون بتفاهم «السين ـ السين» (السعودية وسورية).. ليعود فجأة الى طاولة «اللام ـ لام» (الحوار اللبناني ـ اللبناني)؟

لا يقلل أي لبناني من «شطارة» الرئيس بري في المناورة على الساحة السياسية في لبنان.. ولكن مطلبه العودة الى حوار لبناني ـ لبناني يبدو، من حيث توقيته وخلفيته، أبعد من مجرد مناورة سياسية لتقطيع الوقت المضيّع في ظل إقفال قاعة البرلمان وإرجاء جلسة انتخاب الرئيس اللبناني الجديد للمرة الثمانية عشرة.

غير خاف أن اقتراح الرئيس بري طرح بعد لقائه الأخير في دمشق مع الرئيس السوري بشار الاسد، وفي ظرف تعمل فيه الدبلوماسية السورية على إعادة تقويم أولوياتها في المنطقة بحيث بات التركيز على استئناف محادثات السلام مع إسرائيل يتقدم على استراتيجية إطالة الازمة اللبنانية إن لم يكن يقتضي تحويل الورقة اللبنانية إلى مدخل لحل خلافاتها مع دول «عرب الاعتدال». في هذا الإطار بالذات يأخذ تأكيد نبيه بري أن دعوته للحوار «مكملة» للمبادرة العربية، وليست بديلا عنها، أهميته المرحلية.

قد لا يكون الانفتاح السوري على دول الاعتدال العربية بعيدا عن موقف دولة الاعتدال غير العربية في المنطقة، أي تركيا، خصوصا أنها تلعب دور الوسيط على صعيد استئناف المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية، ولكن التمهيد السياسي والإعلامي والنفسي لهذه النقلة السياسية في أولويات سورية الاقليمية يستوجب، بادئ ذي بدء، ترميم الجسور مع دول الاعتدال العربي، انطلاقا من الانفتاح على المبادرة العربية للتسوية اللبنانية، وفي وقت لاحق ـ إذا صح ما كشفه السفير الاسرائيلي لدى تركيا، غابي ليفي، عن احتمال بدء مفاوضات «على مراحل» بين سورية واسرائيل ـ تطمين اسرائيل إيضا إلى أن النفوذ السوري في لبنان يمكن أن يوظف في عملية تهدئة في الجنوب تماما كما كان يوظف في عمليات تسخين للجبهة. على خلفية هذا التحول الطارئ على الأولويات السورية في المنطقة يمكن الاستنتاج بان الحوار اللبناني ـ اللبناني بات، في هذه المرحلة، مطلبا سوريا، الأمر الذي يسمح بتوقع نجاحه في حده الادنى على الاقل (أي إقرار انتخاب الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان كما تمنى وزير الخارجية السعودي، الامير سعود الفيصل، في توقعه ان تكون جلسة البرلمان اللبناني في 13 مايو/ آيار «موعدا نهائيا» لانتخاب الرئيس اللبناني) .

مع ذلك يصعب توقع إتمام الاستحقاق الرئاسي اللبناني من دون حصول دمشق على ضمانات للمصالح السورية ـ الايرانية في لبنان بعد أن ظهر أن الاطار المقترح لها هو ما سرّبه قبل أيام وزير الخارجية الايراني، منوشهر متقي: أي اعتماد مبدأ «المثالثة» في الحكومة اللبنانية الجديدة.

من المبكر القول بأن سورية بدأت مسيرة الانتقال من دولة «الممانعة» الى دولة «الاعتدال».

ولكن إبداء الرئيس بشار الاسد رغبته في زيارة السعودية ـ رغم ان الرئيس نبيه بري لم يتلقَّ بعد ردا على طلبه زيارة الرياض ـ يوحي بأن دمشق تتطلع جديا الى التقرب من دول الاعتدال العربية، وقد تكون مستعدة لحلحلة الأزمة اللبنانية لتحقيق خطوة في هذا الاتجاه. ولا يخفى، على الصعيد اللبناني، أن مطالبة حلفاء دمشق لقوى «14 آذار» بالعودة الى التحاور معهم على «إعلان نوايا» فحسب تندرج هي ايضا في خانة الاعتدال السوري المرتقب كونها تعتبر نفيا عمليا لاتهام دمشق لـ«14 آذار» بأنها «منتج اسرائيلي».

لبنان اليوم هو «العقدة».. و«الحل» في دبلوماسية دمشق الاقليمية.. «الحل» إذا ساهمت دبلوماسية «الاعتدال» في إعادة الجولان المحتل الى الوطن الأم وألغت الحاجة الى مقاومة مسلحة في الجنوب.. و«العقدة» إذا اصطدمت هذه الدبلوماسية بإصرار طهران على إزالة اسرائيل من الوجود ومعارضتها لأي اتفاق سلام معها.

آنذاك قد يعود لبنان ساحة صراع.. ولكن، سوري ـ إيراني هذه المرة.